ضمن المُتْلَفَ، وفي الباقي وجْهَان: أحدهما: يضمنه أيضاً، ويسوِّي بين العبد والخطأ فيه، كما سوَّى في القَدْر التَّالف.

وأصحُّهما: المنْعُ؛ لأنه لم يتعدَّ، وإنما ضمن المتْلَفَ لفواته.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الخَامِسُ: المُخَالَفَةُ فِي كيْفِيَّةِ الحِفْظِ فَإذَا سَلَّمَ إِلَيْهِ صنْدُوقاً فَقَالَ: لاَ تَرْقُد عَلَيْهِ فَرَقَدَ عَلَيْهِ فَقَد زَادَ خَيْراً فَلاَ يَضْمَنُ إِلاَّ إِذَا أَخَذَ اللُّصُوصُ مِنْ جَنْبِ الصُّنْدُوقِ فِي الصَّحْرَاءِ فإِنَّهُ يَضْمَنُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ المُخَالَفَةِ جَائِزَةٌ بِشْرْطِ سَلاَمَةِ العَاقِبَةِ، وَلَو سَلَّمَ إِلَيْهِ دَرَاهِمَ وَقَالَ: ارْبِطْهَا في كُمِّكَ فَأَخَذَهَا في يَدِهِ فَأَخَذَهَا غَاضِبٌ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ اليَدَ هَهُنَا أَحْرَزُ، فَإِنِ اسْتَرْخَى بِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ، ضَمِنَ، وَإِنْ رَبَطَ في كُمِّهِ امْتِثالًا لَهُ وَجَعَلَ الخَيْطَ الرَّابِطَ خَارجَ الكُمِّ فَأَخَذَهُ الطَّرَّارُ ضَمِنَ لِأَنَّ ذَلِكَ إِغْرَاءٌ لِلطَّرَّارِ، فَإِنْ ضَاعَ بِالاسْتِرْسَالِ لَمْ يَضْمَنُ وإِنْ جَعَلَ الخَيْطَ دَاخِلَ الكُمِّ فَالحُكْمُ بِالعَكْسِ مِنْ هَذَا، وَإِنْ قَالَ: احْفَظْ فِي هَذَا البَيْتِ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ النَّقْلَ فَنَقَلَ إِلَى مَا هُوَ دُونَهُ فِي الحِرْزِ ضَمِنَ، وَإِنْ نَقَلَ إِلَى مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ لَمْ يَضْمِنْ، إِلاَّ إِذَا هَلَكَ بِسَبَبِ النَّقْلِ كَانْهِدَامِ البَيْتِ المَنْقُولِ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مُكْتَرِي الدَّابَّةِ إِذَا رَبَطَهَا في اَلأِصْطَبْلِ فَمَاتَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنِ انهَدَمَ عَلَيْهَا ضَمِنَ، وَإِنْ نَهَاهُ عَنِ النَّقْلِ فَنَقَلَ ضَمِنَ لِصَرِيحِ المُخَالفَةِ، وَإِنْ كَانَ المَنْقُولُ إِلَيْهِ أَحْرَزَ إِلاَّ إِذَا كَانَ النَّقْلُ لِضَرُورَةِ غَارَةٍ أَوْ حَرِيقٍ، وَلَوْ نَقَلَ مِنْ صُنْدوقٍ إِلَى صُنْدوقٍ وَالصَّنَادِيقُ لِلمَالِكِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُودِعِ فَهُوَ كَالبَيْتِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا أمره بحفْظِ الوديعةِ عَلَى وجْهٍ مخصوصٍ، فعَدَلَ عنه إلَى وجهٍ آخر، وتلفَتِ الوديعةُ، فإن كان التلَفُ بسبب الجهةِ المعْدُولِ إِلَيْها، ضمن، وكانتِ المخالفةُ من أسباب التقصير؛ لأنه لو راعَى الوَجّه المأمورَ به، لم يتحقَّقِ التلَفُ، ولو حصل التلَفُ بسببٍ آخرَ، فلا ضمان، وهذه جملة يفصِّلها صُوَرٌ:

الصورة الأُولَى: أودعه مالاً في صندوقٍ، وقال: لا ترقُدْ عليه، فرقَدَ علَيْه، نُظِرَ: إن كان تلف بالرقود، بأن انكسر رأْسُ الصندوق بثقله أو تلف ما فيه، وَجَبَ الضمان، وإلا، فإن كان في بيت محرز، وأخده اللُّص، أو في صحراء، وأخده اللُّص من رأس الصندوق، فعن مالك -رحمه الله-: أنه يضمن، وبه قال بعض الأصحاب؛ لأَن الرقود عليه يوهِمُ السارقُ نفاسَةَ ما فيه، فيقصدُهُ، والمذْهَب: أنَّه لا يضمن؛ لأنه زاد احتياطاً وحفْظاً، والتلف ما جاء مما أتَى به ويجري هدا الخلاَفُ فيما إذا قَالَ: لا تقفل عليه، فأقفل، أو لا تَقْفِل عليه، إِلاَّ قُفْلاً واحداً، فأقفل قُفْلَيْن، أَو لا تَغْلِق باب البيت، فأغلقه، وإِن كان في الصحراء، وأخَذَ اللُّص من جنب الصندوق، فوجهان منقولان في "التتمة":

طور بواسطة نورين ميديا © 2015