وأصحُّهما: أنَّه يضْمَنُ ما فيه؛ لأنه هتَكَ الحرْزَ، وعلَى هذا؛ فهل يضمن الصندوقَ، والكِيس، فيه وجهان؛ لأنه لم يقصد الخيانةَ في الظَّرْف، ولو خرق الكيس، نظِرَ: إنْ الخَرْق تحت موضع الخَتْم، فهو كفَضِّ الختم، وإن كان فوقه، لم يضْمَن، إِلاَّ نقصان الخَرْق (?)، ولو أودعه شيئاً مدْفُوناً، فنبشه، فهو كَفَضِّ الختم، ولا يلتحق بفتح القُفْل، وفض الختم حَلُّ الخيط الَّذي يشدُّ به رأْسُ الكيس، أو رزمة الثياب؛ لأنَّ القصْدَ منه المنعُ من الانْتِشَار لا أن يكون مكتوماً عنه وعن الحاوِي: نقلُ وجهين؛ فيما إذا كانت عنْده دراهمُ، فوزنها، أو عدَّها، أو ثيابٌ، فذرعها ليعرف طُولَها وعرضَهَا، أنَّه، هَلْ يضمن؟ ويشبه أنَّ يجيء هذا الخلافُ في حلِّ الشَّدِّ (?).

وأما قوله: "مهما ترك الخيانة" إلى قوله: "على أحد الوجهين" هذا شرحُه، ثم في الفصل ثلاثُ مسائِلَ:

إحداها: إذا صارت الوديعةُ مضمونةً على المودَعِ، بانتفاعِ، أو إخراجٍ من الحَرْزِ، أو غيرهما من وجوه التقْصيرِ، ثم إِنه ترك الخيانةَ، وردَّ الوديعة إلَى مكانهَا، لم يبرأ، ولم تعُدْ أمانته.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: "يبرأ، ويعود أميناً" إِلاَّ أنَّه سلم أنَّه لو جَحَدَ الوديعةَ، وضَمِنَها بالجُحُود، ثم أقر بها، لا يبرأ فقاس الأَصحاب سائِرَ أسباب الضمانِ عليه، وأيضاً: فلو ردَّ السارقُ المسروقَ إلى موضعه، لا يبرأ، فكذلك هاهنا، ولو ردَّها هنا إلى المالِك، ثم إنه أودعه ثانياً، فلا شك في أنَّه يعود أميناً، ولو لم يردَّها، ولكن أحدث المالِكُ له استئماناً، فقال: أذنْتُ لك في حفْظِها أو أودعتكها أو استأمنتك، أو أَبرأتك عن الضمان، فوجهان:

أحدهما: ويحكى عن ابن سُرَيْج: أنَّه لا يعود أميناً، لظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم- "عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تؤدِّيه" (?).

وأصحُّهما: وهو ظاهر نصِّه في باب العارية عودُهُ أميناً؛ لأنَّ التضمين لحقِّ المالك، وقد رضي بسقوطه، وروى بعضهم الأولَ عن نصِّه في الأمِّ فعلَى، هذا: يجوزُ التعبيرُ عن الخلاَفِ بالقولَيْنِ، وهو كالخلافِ فيما إذا حَفَرَ بئراً في ملْكِ غيره عُدْواناً، ثم أبرأه المالكُ عن ضمان الحَفْر، ولو قال في الابتداء: أودعتك كذا، فإِن خنت، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015