فَإنَّهُ يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ إِذْ سَبَبُ أَمَانَتِهِ مُجَرَّدُ نِيَّتِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ المُودِعَ أَيْضاً يَضْمَنُ، ثُمَّ مَهْمَا تَرَكَ الخِيَانَةَ لَمْ يَعُدْ (ح) أَمِيناً، فَلَوْ رَدَّ عَيْنَ الدِّرْهَم ذَلِكَ إِلَى الكِيس، وَاخْتَلَطَ بِالبَاقِي لَمْ يَتَعَدَّ الضَّمَانُ إِلَى البَاقِي عَلَى أَقْيَسِ الوَجْهَيْنِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا رَدَّ بَدَلَهُ إِلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَلْطُ مِلْكِهِ بمْلِكِ الغَيْرِ، وَمَهْمَا أتْلَفَ بَعْضَ الوَدِيعَةِ لَمْ يَضْمَنِ البَاقي إلاَّ إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ، كَمَا إِذَا قَطَعَ طَرَفَ العَبْدِ أَوِ الثَّوْبِ فَإنَّهُ يَضْمَنُ الكُلَّ لِخِيَانَتِهِ، فَإِنْ كَانَ مَخِيطاً لَمْ يَضْمَنْ إلاَّ المُفَوَّتَ عَلَى أَسَدِّ الوَجهَيْنِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: التعدِّي باستعمالِ الوديعةِ والإنتفاع بها كلُبْس الثوب، ورُكُوب الدابَّة خيانةً مضمنةً، نعم: لو كان هناك عُذْرٌ بأنْ لبس؛ لِدَفْعِ الدودِ، كما ذكرنا، أو ركِبَ الدابةَ، بحيْثُ يجوز إخراجُها للسَّقْيِ، وكانت لا تنقاد إِلاَّ بالركوب، فلا ضمان، وإن انقادتْ من غَيْرِ ركوبٍ، فركب، ضمن، ولو أخذ الدراهمَ، ليَصْرِفَها إلَى حاجته أو الثَّوْبِ، ليلبسه أو أخرج الدابَّة من مكانِها، ليركبها، ثم لم يستعمل، ضمن؛ لأنَّ الإخرَاجَ عَلَى هذا القصْدِ خيانةٌ.

وقال أبو حنيفة -رحمه الله-: "لا يضمنُ؛ حتى يستعمل" ولو نوى الأخْذَ، [لنفسه] (?) ولم يأْخذ، فوجهان: قال ابن سريج -رحمه الله-: يضمن، كما يضْمَنُ الملتقط، إذا أخذ بنية الاختزال، وكما إذا أخذ المودَعُ ابتداءً على قصْدِ الخيانة، وقال الأكثرونَ: لا يضمن؛ لأنه لم يُحْدِثْ فعلاً مع قَصْد الخيانة، وفي اللُّقْطَةِ أحْدَثَ الأخْذَ، مع قصد الخيانة، وأيضاً، فللفرق الذي مرَّ في "باب اللُّقَطَةِ" وقد أعاده هاهنا في الكتاب وأمَّا إذا أخذ الوديعةَ عَلَى قصْدِ الخيانة، فقد حكينا في اللُّقَطَةِ: أنَّه عَلَى وجهين، فإن قلنا: إنه يَضْمَن، وهو الظاهر، فالفرقُ أنَّ الأَخذ فعلٌ أحدثه مع قَصْد الخيانة، والوجهان جارَيانِ فيما إذا نَوى أَلَّا يرد الوديعةَ بعد طَلَب المالك، والحكايةُ عن القاضي أبي حامِد، وعن أقضى القضاة المَاوَرْدِيِّ -رحمهما اللهَ تعالى-: أنَّه يضمن ها هُنَا، ولا يضمن فيما إِذا نَوَى الأَخْذَ، ولم يأخُذْ؛ لأنه إذا نَوَى ألا يردَّ، صار ممسكاً لنفسه، وبنية الأخذ، لا يصير ممسكاً لنفسه. ويجري الوجهان فيما إذا كان الثوبُ في صندوق غير مقْفَلٍ، فرفع رأسه، ليأخذ الثوب، ويلبسه، ثم بَدَا لَهُ؛ لأنه لم يُحْدِث في الثوب فعلاً، ولو كان الصُّنْدوق مقفلًا، والكيسُ مختوماً، ففتح القفل، وفَضَّ الخَتْمَ، ولم يأخذ ما فيه، فأحْدُ الوجهين، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله- أنَّه لا يضمن ما فيه وإنما يضمن الختم الذي تَصَرَّف فيه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015