وأحمد -رحمهما الله-: له المسافرةُ بها، إذا كان الطريق آمناً، ولم يصرح المالك بالمنع، وإن سافر بها لعذر، كما لو اتَّفَقَ جَلَاءٌ لأهل البلد، أو وقع حريقٌ، أو غارةٌ، فلا ضمانَ، والشَّرْط أنَّ يعجز عن الرَّدِّ إلى المالك أو وكيله، أو الحاكم أو عن الإيداع عند أمينٍ، ويلزمه المسافرةُ بها، والحالة هذه؛ وإلاَّ فهُوَ مضيَّعٌ، ولو عزم على السفر في وقْتِ السلامة، وعجز عن المالك ووكيله، وعن الحاكم، والأمين، فسافر بها، فوجهان:
أحدهما: أنه يضمنها؛ لأنه التزم الحفْظَ في الحضر، فليؤخر السَفر أو يلتزم خطر الضمان.
والثاني: المنعُ، وإلا فينقطعُ عن السفر، وتتعطَّل مصالحُهُ، وفيه تنفيرٌ عن قَبُولِ الودائِعِ.
والأوَّل أظهُر عند صاحب الكتاب، والثانِي أظْهرُ عند المعْظَم، وشرطوا لجواز المسافرة بها: أنَّ تكُونَ الطريق آمناً، وإلا، فيضمن، وهذا ظاهرٌ في مسألة الوجهَيْنِ، فأما عند وقوع الحَرِيق ونحوه، فكان يجوز أنَّ يُقَالَ: إذا كان احتمالُ الهلاكِ في الحَضَرِ أقربَ منه في السفر، فله أن يسافِرَ بها، قال في "الرَّقْم": وإذا كان الطريق آمناً، فحدث خَوْفٌ، ولو هجم القطَّاع، فألقى المَالَ في مضيعة؛ إخفاءً له فضاع، فعليه (?) الضمان.
الثالثة: من مرض مرضاً مخوفاً، أو حُبِس، ليقتل، وعنده وديعةٌ، فعليه أو يوصِيَ بها، فلو سكت عنها، وتركها بحالها، ضَمِنَ؛ لأنه عَرَّضَها للفوات؛ إذِ الوارثُ يعتمدُ ظاهِرَ اليد، ويدَّعيها لنفسه، فكان ذلك تقصيراً مضمناً، وهاهنا كلمتَانِ:
إحداهما: أنَّ التقصير إنَّما يتحقَّق بترك الوصاية إلى المَوْتِ، فلا يحصُلُ التقصير، إِلاَّ إذا مات، لكن كأنا نتبيَّن عند الموت أنَّه كان مقصِّراً من أول مرضه فضَمَّنَّاه أو يحلف التلَف، إذا حَصَل بعد الموت بالتردِّي بَعْد المَوْت في بئرٍ، حَفَرَها متعدِّياً.
والثانية: ربَّما أفهم كلامُ الأئمةِ أنَّ المراد من الوصيَّة بها تسليمها إلى الوصيِّ ليدفَعَهَا إلى المالك، وهو الإيداعُ بعَيْنه، لكن المُعْتَمَدَ أنَّ المراد الإِعلامُ، والأمر بالردِّ [من غَيْر أنَّ يخرِجَهَا من يده، وأنه، والحالَةُ هذِهِ، مخَير بين أن يودع، وبين أن يقتصر على الإعْلام، والأمر بالرد؛] (?) لأن وقْتَ الموت غير معلوم، ويده مستمرةٌ على