يكون الأمين الذي يودِعُه بحَيْثُ يأتمنه ويودِعُ ماله عنده لظاهر قوله: "يودِعُه مالَهُ" والظاهر خلافه، فإنَّ ذلك مسوق على سبيل التأكيد والإيضاح، ولو أنَّه حِينَ عَزَم على السفَرِ، دَفَنَ الوديعةَ في مَوْضِعٍ، وسافر، ضَمِنَها إن دَفَن في غَيرِ حَرْزٍ أو في حِرْزٍ، ولم يعلم بها أميناً أو أعْلَمَ أميناً، حيث لا يَجُوز الايداعُ عند الأمين، أو حيث يجُوزُ إِلاَّ أنَّ الذي أخبره لا يسكن ذلك الموضِع، وإنْ كَانَ يسكنه، فالجوابُ كذلك في أحد الوجّهَيْن؛ لأنَّه إعلامٌ لا إيداعٌ، ولا يضمن في أظهرهما؛ لأنَّ الموضِعَ وما فيه في يَدِ الأمين، فالإِعلام كالإيداع، هكذا فَصَّل الأكثرون.

وجعل الإمام -رحمه الله- في معنى السُّكْنَى أنْ يراقبها من الجوانب، أو من فَوْقُ مراقبةَ الحارس (?)، ومنْهم: من جعل الأعلام كالإيداعِ مِنْ غير فَرْق بَيْن أن يسكن الموضع أو لا يَسْكنه، ثم نقل صاحب "المعتمد" وغيره وجْهَيْنِ في أن سَبِيلَ هذا الإعلامِ الإشهادُ أو الائتمانُ؟

فعلى الأوَّل: لا بدَّ من إعلام رجلَيْنِ أو رجلٍ وامرأتينِ، والظاهرُ الثَّاني، وكما يجوز إيداعُ الغَيْر بعذر السفَرِ على ما تبيَّن، فكذلك سائر الأعذار، كَمَا لو وَقَعَ في البُقْعة حريقٌ أو نهب أو غارَةٌ أو خاف الغرق، وليكُنْ في معناها: إذا أشرف الحِرْز على الخراب، ولم يجدْ حِرْزاً آخر، يَنْقُلُها إِليه.

المسألة الثانية: إذا أَودع مسافراً، فسافر بالوديعة أو منتجعاً، فانتجع بها، فلا ضمان؛ لأنَّ المالكَ رَضِيَ به؛ حيث أودعه، وإِن أودع حاضراً، لم يكُنْ له أن يسافِرَ بها، فإن سافر، ضمن؛ لأن حِرْزَ السَّفَرِ دون حِرْز الحَضَر، وفي الخبر: "إنَّ المُسَافِرَ وَمَتَاعَهُ لعلي قُلْتُ إِلاَّ ما وقى الله، وفيه وجه أنَّه إذا كان الطريق آمِناً، لا يضمن، وكذا لو سافر في البَحْر، إذا كان الغالب منه السلامة، والمذهَبُ الأوَّل، وعند أبي حنيفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015