وأقْيَسُهُمَا: أن المعتَبَرَ من الثُّلُثُ ما بين القيمتَيْنِ من التفاوت؛ لأن أقلَّ القيمتين لازمٌ لا محالة، ويجري الخلافُ فيما إذا أوصَى بأن يكسو عنه، والكسوة كبرُ قيمة من الطعام، والمسألةُ معادة في "كتاب الإيمان".
وسنذكُرُ هناك ما يزيدُ به هذا الخلاف وضوحًا -إن شاء الله تعالى- ولو أعتقَ في مَرَضِ الموتِ مَنْ عليه كفارةٌ مخيَّرة، فقد أطلق في "التتمة" أنه لا يُعْتَبَرُ قيمة العَبْد من الثلث؛ لأنه مؤدٍّ فرضاً؛ وهذا كأنه جوابٌ علَى الوَجْه الذي قُلْنا: إنه لو أوصَى به، اعتبر من رأس المال.
وقوله في الكتاب فيما إذا أخْرَجَ الوارثُ الكفَّارةَ من مال نفْسِه "وقعت عنه" مُعْلَمٌ بالواو؛ لما مر، وقوله: "ويستَوِي فيه العتْقُ والإطْعَام" كذلك؛ للوجه الفارق بينهما، وقوله: "ولم يَكُنْ له تركةٌ" تَدْعُو إلى البَحْث عما إذا كانَتْ له تركةٌ، ويشبه أن يُقَالَ: الوارثُ حينئذٍ كالأجْنَبِيِّ، وقوله: "تشبيهاً بقضاء الديون"، ويؤيد ترجيح الوَجْه الذاهِب إلَى أنه يجوزُ للأجنبيِّ الإخراجُ؛ لأنه لا فَرْقَ في قضاء الدَّين بَيْن الوارِثِ والأجنبيِّ.
وأما الدعاءُ للمَيِّت، فإنه ينفعه، قَالَ الله تعالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10] أثنَى عليهم بالدُّعَاء للسابِقِينَ، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدم، انقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ من ثَلاَثٍ؛ صَدَقَةٍ جَارَيةٍ، أو عِلم يُنْتَفَعُ بهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِح يَدْعُوا لَهُ" (?)؛ والصدقةُ عنه تنفعه أيضاً؛ لما روِيَ أن رجُلاً قال للنبى -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً، ولمْ يُوصِ، فَهَل يُكَفِّرُ عَنْهُ أن أَتَصَدَّقَ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ" (?) يستوي في الصدقة والدعاء الوارثُ والأجنبيِّ، قال الشَّافعيُّ -رضي الله عنه-: "في وُسْعِ اللهُ تَعالَى أن يُثِبَ المُتَصَدِّقَ أيْضاً".
وعلَى هذا قال الأصحابُ: يُسْتَحَبُّ أنْ ينوِيَ المتصدِّقُ الصدقَةَ عن أَبَوَيْهِ، فَإِن اللهَ تعالَى "ينيلهما الثواب ولا ينقص عن أجره شيئاً" (?) وذكر صاحب "العُدة"؛ أنه لو