وقوله في الكتاب "ويُشْتَرَطُ ألاَّ يكون الموصَى به زائداً علىَ ثُلُث المال" أي يشترط هذا في لزومِ الوَصيَّة، وأما أصل الصحَّة فيبنى على أن إجازة الورثة ابتداءُ وعطية منهم، أو تنفيذٌ، وقَد مرَّ.
وكما أن التبرُّعات المعلَّقةَ بالمَوْت، وهي الوصَايَا، معتبرةٌ من الثلث، سواء أوصَى به في الصحَّة، أو في المَرَض؛ فكذلك التبرُّعات المُنَجَّزَة في مرض الموت، تُعْتَبَرُ من الثلث، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ اللهَ أعْطَاكُمْ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ في آخِرِ أَعْمَارِكُمْ (?) ما يشعر به، وإذا وهب في الصحَّة، ثمَّ أقبض في المَرض، كان كما لو وهب في المرض؛ لأن تمام الهبة بالقبض، وحديث أبي بكر وعائشة -رضي الله عنهما- فيه مشهورٌ (?).
إذا عُرِفَ ذلك، فهذه [القاعدة] (?) يحتاج فيها إلى معرفة ثلاثةِ فُصُول: أن المرض المَخُوف، ماذا؟ وأن التبرُّعاتِ، والتصرُّفاتِ المحْسُوبَة من الثلث، ما هي؟ وأنها كيف تُحْسَبُ منه، إذا تكرَّرت وتعدَّدت؟ وصاحبُ الكتاب أوْرَدَ هذه الفصُولَ في معرض الأسْئلة والأجْوِبَةِ، [والله أعلم].
قَالَ الْغَزَالِيُّ: (فَإنْ قِيلَ): وَمَا المَرَضُ المُخَوِفُ؟ (قُلْنَا): كُلُّ ما يَسْتَعِدُّ (ح) الإنْسَان بِسَبَبِهِ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ كَالقُولَنْجِ، وَذَاتِ الجَنْبِ، وَالرِّعَافِ الدَّائِمِ، وَالإِسْهَالِ المُتَواِترِ مَعَ قِيَامِ الدَّمِ، وَالسُّلِّ في انْتِهَائِهِ (و)، وَالفَالَجِ في ابْتِدَائِهِ، وَالحُمَّى المُطْبِقَةِ، أَمَّا ابْتِدَاءُ السُّلِّ وَآخِرُ الفَالَجِ وَالجَرَبُ وَوَجَعُ الضِّرْسِ وَحُمَّى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَينِ فَلَيْسَ بِمُخَوفٍ، وَمَهْمَا أَشْكَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُكِمَ فِيهِ بِقَوْلِ مُسْلِمَيْنِ طَبِيبَيْنِ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ، وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَخُوفاً حَجَرْنَا عَلَيْهِ في التَّبَرُّعَاتِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِنْ سَلِمَ تَبَيَنَّا الصِّحَّةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفاً لَمْ نَحْجُرْ، فإِنْ مَاتَ مَوْتاً قِيلَ إِنَّهُ مِنْ ذَلِكَ المَرَضِ وَكُنَّا لاَ نَظُنُّهُ مَخُوفاً تَبَيَّنَ البُطْلاَنُ، فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الفَجْأَةِ فلاَ، وَمَهْمَا الْتَحَمَتِ الفِرْقَتَانِ في القِتَالِ، أَوْ تُمَوَّجَ البَحْرُ، أَوْ وَقَعَ فِي أَسْرِ كُفَّارِ عَادَتُهُمُ القَتْلُ، أَوْ قُدِّمَ لِلقَتْلِ في الزِّنَا، أَوْ ظَهَرَ الطَّاعُونُ فِي البَلَدِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِبَدَنِهِ فَفِي هَذِهِ الأَحْوَالِ وَالْتِحَاقِهَا بِالمَرَضِ المَخُوفِ قَوْلاَنِ (و)، وَإِنْ قُدِّمَ لِلْقِصَاصِ فَالنَّصُّ أَنَّهُ قَبْلَ الجَرْحِ غَيْرُ مُخَوِفٍ، وَقِيلَ: هُوَ كَالأَسِيرِ، وَالحَامِلُ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَهَا الطَّلْقُ لَيْسَ بِمَخُوفٍ، فَإذَا ضَرَبَهَا فَهُوَ مَخُوفٌ، وَقِيلَ: إِنَّ السَّلاَمَةَ مُنْهُ أَغْلَبُ فَلَيسَ بِمَخُوفٍ.