مَالٌ فنفقتُه مِنْهُ، وَإِنْ حَصَلَ في بَيْتِ المَالِ أو حصل للقيطِ مالٌ دَفْعَةً واحِدةً، قَضَى من مالِ اللَّقِيط، كما إذا كان لَهُ مالٌ، وفي بيتِ المالِ مالٌ، تكونُ نفقتُه في مَالِهِ، ولم يتعرَّضِ الأَصْحَابُ لطَرْدِ الخِلافِ في أنَّه إنفاقٌ أو إقراضٌ، إذا كان في بَيْتِ المَالِ مالٌ، وقلْنا: إنَّ نفقتهُ منْه، والقياسُ طَرْدُه، وما الأظْهَرُ من هذا الخلاف (?)؟
إيراد الكتاب يُشْعِرُ بتَرْجيحِ الأَوَّلِ؛ فإنَّه مالٌ لا رُجُوعَ عَلَيْه، وقد قِيلَ: إنَّه، إنْ ظَهَر رِقُّهُ إلى آخره، ويُحْكَى أنه اختيار القاضى الحُسَيْن، وقضيةُ سياقِ أصْحَابِنا العراقيين وغَيْرَهُمْ إنَّ الثاني أظْهَرُ.
وحيثُ قلْنا: إنَّ الإمامَ يُقسِّطُ النفقةَ على الأغْنياء، فذاك عنْد إمكان الاستيعاب، فأمَّا إذا كَثُرُوا، وتعذَّر التَّوْزِيعُ عليهمِ، قال الإمامُ: يضربُها السُّلْطَانُ عَلَى من يراه منْهم، يجتهدُ فيه، فإن اسْتَوَوْا في نظره، تَخيَّر (?)، وإلَى هذا الكلامِ أشارَ صاحبُ الكتابِ بقوله "وزعه على من رآه من أغنياء المسلمين" ثم المرادُ أغنياءُ تلك البلدة أو القَرْيَةِ.
قال الغَزَالِيُّ: ثُمَّ مَهْمَا كَانَ لِلَّقيطِ مَالٌ لَمْ يَجُزْ لِلْمُلْتَقِطِ إِنْفَاقُهُ إِلاَّ بِإِذْنِ القَاضِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضٍ فَلْيُشْهِدْ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَنْفَقَ دُونَ إِشْهَادِهِ ضَمِنَ، وَهَلْ يَسْتَقِلُّ بِحِفْظِ مَالِهِ دُونَ إِذْنِ القَاضِي؟ فِيهِ خِلاَفٌ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا كان لِلَّقيطِ مالٌ، فَهَلْ يستقلُّ الملتَقِطُ بحِفْظه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، بل يحتاج فيه إلَى إذْن القاضي؛ لأنَّ إثباتَ اليَدِ على المالِ يفتقر إلَى ولايةٍ عامَّةٍ أو خاصَّةٍ، ولا ولاية للملتَقِطِ.
وأرجحُهما على ما يقتضيه إيرادُ "التهذيب" الاستقلالُ؛ لأنَّه مستقل بحفْظِ المالك، بلْ هو أَوْلَى به من القاضي (?)، فكان أَوْلَى بحفْظ مالِه ولِقُوَّة يَدِهِ.