والثاني: أنَّه لا تكُونُ في بيْتِ المَالِ؛ لأنَّ مالَ بَيْتِ المَالِ يُصْرَفُ إلَى ما لا وَجْهَ له سِوَاهُ، واللَّقِيطُ يجوزُ أنْ يكونَ رقيقاً، فنفقتُهُ على سيِّده، أو حُرًّا له مالٌ، أو قريبٌ، فنفقَتُهُ في ماله، أو عَلَى قريبه، فعلى هذا، يستقرض الإمامُ لنفقَتِهِ مِنْ بَيْتِ المالِ، أو مِنْ واحدٍ من الناسِ، فإن لم يكُنْ في بيت المالِ شَيْءٌ، ولم يُقْرِضْهُ أحَدٌ من الناس، جَمَعَ الإمامُ أهْلَ الثروةِ من البَلَدِ، وقَسَّطَ عليهم نَفَقَتَهُ، ويجْعَلُ نَفْسَهُ منْهم، ثمَّ إنْ بَانَ رقيقاً، رجَعُوا عَلَى سَيِّدِهِ، وإنْ كان حرًّا له مالٌ أو قريبٌ، فالرجوعُ عليه، وإنْ بَانَ حرًّا لا قريبَ له ولا مالَ ولا كسبَ، قَضَى الإمَامُ حَقَّهُمْ منْ سَهْم الفقراء والمساكين أو الغَارِمِينَ، كما يراه (?).
وإنْ قُلْنا بالأوَّل الأصَحّ، فلو لم يَكُنْ في بيتِ المالِ مالٌ، أو كان هناك ما هُوَ أهمُّ؛ كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ، لو تُرِكَ، قام المُسْلِمُونَ بكفايَتِهِ، ولم يَجُزْ لهم تضييعُهُ، ثم طريقُهُ طريقُ النَّفقة، أو طَرِيقُ القَرْض؟ فيه قولان:
أَحَدُهُمَا: طريقُ النَّفَقَةِ؛ لأنَّه محتاج عاجِزٌ؛ فأشْبَهَ المجنونَ والفقير والزَّمن، فعلَى هذا؛ إذا قام به بعضُهُمْ، حَصَلَ الغَرَضُ، واندفَعَ الحَرَجُ، عن الباقين، وإن امتنعوا أَثِمَ جميعُهُمْ، وطالَبَهُمُ الإمامُ، فإِن أَصَرُّوا، قاتَلَهُمْ، وعند التعذُّر، يستقرض على بيْتِ المَالِ، وينفق عليه.
والثاني: أنَّ طريقَهُ طَرِيقُ القَرْضِ، حتَّى يثبت الرجوعُ؛ كما يبذل الطعام للمضطر بالعوض؛ وهذا؛ لأنَّه يجوزُ أنْ يَكُونَ رَقِيقاً، أو يَكُونَ له مالٌ أو قريبٌ، كما تقدَّم، فعلَى هذا؛ إنْ تَيَسَّرَ الاستقراضُ، فذاك، وإلا، قَسَّطَ الإمامُ نَفَقَتَهُ علَى المُوسِرِينَ من أهل البَلَدِ، ثم إن ظهرَ عبدًا، فالرُّجُوعُ على سَيِّدِهِ، وإن ظهر له مالٌ أو اكْتَسَبَهُ، فالرجوعُ عليه، فإن لم يكن شيْءٌ، قضى من سَهْمِ المساكين، أو الغارمِينَ، وإنْ حَصَلَ في بيتِ المال مالٌ، قبل بلوغه وَيسَارِهِ، قضى منه؛ لأنّا نفرِّع عَلَى أنَّه، إذا كان في بيت المالِ