الظعن به، فإنْ كان يؤمن من أن يسترقَه فذلك له، وإلاَّ منعُه"، يعني الحاكم.
واعْتُرِضَ عليه بأنَّ الفاسِقَ الذي لا يؤمن لا يقر اللقيط في يده سافر به، أم لمْ يسافر؟ فكيف خصّ المسافرَ بالمنعِ؟ وأجاب أكثرُ الأصحابِ بحمله على ظاهرِ العدالةِ المستور الحال كما سبق.
ومنهمِ من سَلَّم أنَّه أراد الموثوق بعدالته ظاهراً وباطناً. وقال: قد يكونُ مأموناً في بلدة ثم يُخْشَ منه عند السفر، وهذا يسوقنا إلى خلافٍ في جواز مسافرة العدل الموثوق به باللقيط، وسيأتي من بعد، إن شاء الله تعالى.
وقال بعضُهم: المرادُ ما إذا أحدث ما يغير أمانته، أو يوقع ريبة في حاله.
الخامس: الرشد، فالمبذر المحجور عليه لا يُقَرُّ اللقيط في يده؛ لأنَّه ليس مؤتمناً شرعًا، وإنْ كان عدلاً.
ولا يُشْتَرَط في الملتقط الذكورة؛ بل الحَضَانَة بالإناث، ولا كونُه غنياً إذ ليست النفقةُ على الملتقط، والفقير أهلٌ للحضانةِ كالغني.
وفي "المهذَّب" وجهٌ آخر، أنَّه لا يقرُّ في يد الفقير؛ لأنَّه لا يتفرعُ للحضانة لاشتغاله بطلب القوت. والصحيحُ الأولُ وهو المذكور في الكتاب.
قال الغَزَالِيُّ: وَلَو ازْدَحَمَ اثْنَانِ قُدِّمَ مَنْ سَبَقَ، فَإِن اسْتَوَيَا قُدِّمَ الغَنِيُّ (و) عَلَى الفَقِيرِ، وَالبَلَدِيُّ عَلَى القَرَويِّ، والقَرَوِيُّ عَلَى البَدَويِّ، وَكُلُّ ذَلِكَ نَظَراً لِلصَّبيِّ، وَظَاهِرُ العَدَالَةُ مقَدَّمٌ عَلَى المَسْتُورِ في أَقْيَس الوَجْهَيْنِ، وَإنْ تَسَاوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أُقْرعَ بَيْنَهُما وَسُلَّمَ اِلَى مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ.
قَالَ الرَّفِعِيُّ: إذا ازْدَحَمَ اثنانِ عَلَى لَقِيطٍ، نُظِرَ: إنْ ازْدَحَمَا عَلَيه، قَبْلَ الأخْذِ وَقَالَ كلُّ واحدٍ مِنهما: أنَا آخُذُه وأحْضُنُه، جَعَلَه الحاكمُ في يدِ مَنْ رآه مِنْهُما، أو مِنْ غَيرِهِما؛ لأنَّه لا حقَّ لَهُما قبل الأخذِ (?).
وإنْ ازدَحَمَا بعدَ الأخْذِ، فإنْ لم يكنْ أحدُهمَا أَهْلاً للالتِقَاطِ، مُنِعَ وَسُلَّم اللقيطُ إلى الآخَرِ، وَذَلِك بأنْ يَكُونَ أحدُهُما عدْلاً، والآخرُ فاسِقاً، فإنْ كانَ كلُ واحدٍ منهما أهلاً، نَظِر إن سَبقَ أحدُهما إلى الالتقاطِ، مُنِع الآخرُ من مُزَاحَمَتِه.
وهل يثبُتُ السَّبقُ بالوُقوفِ على رَأْسِهِ من غيرِ أخْذ، فيه وجهانِ عن الشيخ أبي محمدٍ: