قَالَ الغَزَالِيُّ: وَتَوْلِيَةُ أَمْرِ الوَقْفِ إِلَى مَنْ شَرَطَ لَهُ الوَاقِفُ فَإِنْ سَكَتَ فَهُوَ إِلَيْهِ أَيْضَاً لإِنَّهُ لَمْ يَصْرِفْهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَقِيلَ: يَبَنِي عَلَى الأَقْوَالِ في المِلْكِ فِهُوَ لِلْمَالِكِ، ثُمَّ يُشْتَرَطُ في المُتَوَلِّي الأَمَانَةُ (و) وَالْكفَايَةَ، وَبَتَوَلَّى العِمَارَةَ وَالإِجَارَةَ وَتَحْصِيلَ الرِّيعِ وَصَرْفَهَا إِلَى المُسْتَحِقِّ وَيأْخُذُ أجْرَتَهُ إنْ شُرِطَتْ لَهُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: حقُّ التوليةِ في الأصْلِ للواقِفِ؛ لأنَّهُ المتقرِّبُ بصَدَقَتِهِ، فهو أحقُّ مَنْ يقوم بإمضائها، وصرْفُها إلَى مصارفها، وقد ثَبَت أن عُمَرَ -رَضِيَ الله عنه- كان يلي أمْرَ صَدَقَتِهِ، ثم جَعَلَهُ إلَى حَفْصَةَ، وبعْدَهَا إلَى ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا.
فإنْ شرطَهَا الواقفُ لنفسه، أو لغَيْرِهِ، اتبع شرْطُهُ (?)، وأشار في "النهاية" إلَى خلافٍ فيما إذا كان الوقْفُ عَلَى معيَّنٍ، وشرط التولية للأجنبيِّ، هل يتبع شرطه؟ إذا فرَّعنا علَى أنَّ الملك في الوقْف للموقُوفِ علَيْه، والمشهورُ الأوَّل، فلا فرق بين أن يفوض في الحياة، وبيْن أن يوصِي في المماتَ فكلُّ منهما معمولٌ به، وإن وقَف، ولم يشترط التولية لأحدٍ، فمنهم من أطْلَقَ فيه ثلاثةَ أوْجُهٍ:
أحدها: أنَّه للواقِفِ؛ لأنَّ النَّظَرَ والتصرُّف كان إليه، فإِذَا لم يَصْرِفْه عن نفسه، بَقِيَ على ما كان.
والثَّاني: للموقوف عليه؛ لأنَّه النَّفْعَ والفائدةَ له.
والثالثُ: للحاكمِ؛ لأنَّهُ يتعلَّق به حقُّ الموقُوفِ علَيْه ومن بَعْدَه، فصاحبُ النَّظرَ العامِّ أولَى بالنَّظَر منه.
ومنهم من بَنَى الأمر فيه علَى الخلاَفِ في مِلْك الرقبة، إن قلْنا: للواقِفِ، فالتوليةُ له، وقيل: للحاكمِ؛ لتعلُّق حقِّ الغير به، وإنْ قلْنا: لله تعالَى، فَهِيَ للحاكمِ، وقيل: للواقِفِ، إذا كان الوَقْفُ عَلَى جهةٍ عامَّةٍ، فإن قيامه بأمر الوقْف من تَتِمَّة القُرْبة، وقيل: للموقُوف علَيْه، إذا كان الوقْف علَى معيَّن؛ لأنَّ الرِّيعَ والمنْفعة لَهُ، وإن قلْنا: إنَّ المِلْكَ للموقُوف عليه، فالتوليةُ له، وذكر كثيرون أنَّ التوليةَ في صورة السُّكُوت للواقف من غير حكايته خلاف ولا بناء على خلافٍ، فهذه ثلاثةُ طُرُقٍ، ونظْمُ الكتابِ يقْتَضِي ترجيحَ