فلَمَّا استَجْمَعَها، قال: يا رَسُولَ اللهِ -أصبْتُ مالاً لم أُصِبْ مثلَه قطُّ. وقد أردت أن أتقرَّب به إلى الله -تَعالى- فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "حَبِّسْ الأَصْلَ وَسَيِّلِ الثَّمَرَةَ".

وُيرْوى: "فجعلها عمر -رضي الله عنه- صدَقَةً لاَ تُبَاعُ، ولا تُورَثُ، ولا تُوهَبُ" (?) وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "إِذَا مَاتَ ابنُ آدَمَ، انْقطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له أو عِلْمٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أو صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ" (?).

وحمل العلماءُ الصَدقةَ الجَارِية على الوقْفُ، واشتهر اتِّفَاقُ الصحابة على الوَقْفِ قَوْلاً وفِعْلاً. وُيرْوَى عن أبي حنيفةَ إنكارُ الوَقْف (?)، غَيْرَ أنَّ الأكثرين استَنْكَرُوه، وردُّوا قوله إِلى أَنَّ الوقف بمجرَّده لا يلزم على ما سنحكيه من بعدُ إن شاء الله ثم إن صاحب الكتاب -رحمه الله تعالى- أَودع على عَادِتِه مَسَائِلَ الوَقْفِ في بَابَيْنِ:

أحدهما: في بيانِ ما يُعْتَبَرُ لصحَّته.

والثاني: في أحكامِهِ، إذا صحَّ.

وما يعتبر في الصِّحَّة ينقسِمُ في الاصطلاح المشْهُورِ إلى أَركانٍ وشرائطَ.

والبابُ الأوَّلُ مشتملٌ على الضَّرْبَيْن، فقوله: "في أَركَانِهِ ومُصَحِّحَاتِهِ" كأنه عَنَى بالمصحِّحات الشُّرُوطَ، وهو اصطلاحُ أهْلِ الأَصُول، ثم أركانُ الوَقْف على قياسِ مَا ذكَره في سائر العُقُود هي الواقِفُ، والمَوْقُوفُ، والمَوْقُوفُ علَيْه، وصيغةُ الوَقْفِ.

أمَّا الواقِفُ، فيجب أن يكونَ صَحِيحَ العبارة، أهْلاً للتبرُّع (?)، ولم يُفْرِدْه بالذِّكْرَ لوضوح حاله. أمَّا الموقُفُ، ففيه مسائلُ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015