وقولُهُمْ: "إنَّه لو بقيتِ الحاجةُ، لم يغير" لا يختميى بحِمَى رسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بل حِمَى غيره أَيْضاً إنما يغيَّر عند زوال الحاجة، واقتضاء الحال التغيير، وقولُه في الكتاب: "الحمى لرسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو النقيع، ولمن بعده من الأئمة كالتحجُّر في منع الإحياء" التشبيهُ مستمِرٌّ في أنَّ كلاًّ من التحجُّر والحِمَى يقتضي الامتناعَ منَ الإِحياء، وفي جريان الخِلاف في أنَّهُمَا، هل يمنعان حصُول المِلْك للحِمَى؟ لكنَّ الأظْهَرَ من الخلاف في التحجُّر حصولُ المِلْك، وفي الحِمَى خلافهُ خَاصَّة في حمَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وقولُه: "ويجوزُ أن يَحْمِيَ لإبل الصدقةِ" مُعْلَم بالواو؛ لما ذكرنا، وذكَرَ إبل الصدقة للتمثيل لا لتخصيص الحكم بها والله أعلم.

قَالَ الغَزَالِيُّ: أَمَّا المَنَافِعُ المُشْتَرَكَةُ فَهِيَ مَنْفَعَةُ الشَّوَارع للطُّرُوقِ وَالجُلُوسَ وَمَنْفَعَةُ الْمَسَاجِدَ والرِّبَاطَاتِ، أَمَّا الشَّوَارعُ فَلِلطُّرُوقِ، وَيَجُوزُ الجُلُوسُ بِشَرْطِ أَلاَّ يَضِيقَ، ثُمَّ السَّابِقُ يُخْتصُّ بِهِ فلاَ يُزْعَجُ، فَإنْ قَامَ بَطَلَ حَقَّهُ إلاَّ إِذَا جَلَسَ لِلْبَيْعِ فَيَبْقَى حَقُّه إِلَى أَنْ يُسَافِرَ أَوْ يَقْعُدَ في مَوْضِعِ آخَرَ أَوْ يَتْرُكَ الحِرْفَةَ أَوْ يَطَوُلَ مَرَضُهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ الأُلْفَةُ إِلَى غَيْرِهِ، وَالأَظهَر: (و) أَنَّ الإِقْطَاعَ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِيهَا إِذِ المِلْكُ لَيْسَ مَطلُوَباً مِنْهُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: البَابُ الثَّاني في المنافع: بقاع الأرض وإما مملوكة أو محبوسةٌ علَى الحقوقِ العامَّة، كالشوارع، والمساجد، والمقابرِ، والرِّبَاطَات، أو منفكَّةَ عن الحقوقِ الخاصَّةِ والعامَّةِ، وهي المَواتُ، فهذه ثلاثةُ أقْسَام، وإذا تأمَّلْهَا عَرَفْتَ أنَّ الانفكاك عن الاختصاصاتِ المذكورةِ في البَاب الأول لا يكْفيَ للتملُّك [بالإحياء]، بل يعتبر مع ذلك الانفكاكُ عنِ الحقوقِ العامَّة أيضاً.

أمَّا المملوكةُ فمنافِعُها تتبع رقَابَها.

ومقْصود الباب الكلامُ في الانتفاع بالبقاع المحبُوسَة على الحقوق العامَّة. ويقرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015