وقال أبو حنيفة ومالك: لا تملك الأجرة عن الإطلاق بنفس العقد، كما لا يملك المستأجر المنفعة، فإنها معدومة، ولكن يملكها شيئاً فشيئاً، كذلك الأجرة، إلاَّ أن المطالبة كل لحظة مما يعسر، فضبط أبو حنيفة باليوم، وقال: كلما مضى يوم طالبه بأجرته، وهذا رواية عن مالك -رضي الله عنه- قال في رواية: لا يستحق أخذ الأجرة حتى تنقضي المدة بتمامها.
لنا أن الأجرة عوض في معاوضة تتعجَّل بشرط التعجيل، فتتعجل عند الإطلاق كالثمن، وكذلك تقول: يملك المستأجر المنفعة في الحال، وينفذ تصرفه فيها، إلاَّ أنها تستوفي على التدريج.
وقولهم بأنها معدومة يشكل بما إذا شرط التعجيل، فإن الشرط لا يجعل المعدوم موجوداً. ثم قال: الأصحاب المنافع إمَّا موجودة، وإمَّا ملحقة بالموجودات، ولهذا صح إيراد العقد عليها، وجاز أن تكون الأجرة ديناً في الذمة، ولولا أنها ملحقة بالموجودات لكان ذلك في معنى بيع الدَّين بالدَّين.
ويجب أن تكون الأجرة معلومة القدر، والوصف كالثمن إذا كان في الذمة (?)، وقد روي أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: (مِنْ اسْتِأْجَرَ أَجِيْراً فَلْيُعْطِهِ أَجْرَهُ) (?).
فلو قال: اعمل كذا لأرضيك أو أعطيك شيئاً، وما أشبهه فسد العقد، وإذا عمل استحق أجرة المثل، ولو استأجر أجيراً بنفقته، أو كسوته فسد، خلافاً لمالك وأحمد حيث قالا: تجوز ويستحق الوسط. ولأبى حنيفة في المرضعة خاصة. لنا: القياس على عوض البيع والنكاح، وإن استأجر بقدر معلوم من الحِنْطَةِ أو الشعير، ووصفه كما يجب في السلم جاز، أو بأرطال من الخبز يبنى على جواز السلم في الخبز.
ولو أجَّر الدار بعمارتها أو الدابة بعلفها، أو الأرض بخراجها أو مؤنتها لم يجز،