قال الغزالي: وَكُلُّ يَدٍ تُبْتَنَى عَلَى يَدِ الغَاصِبِ فهِيَ يَدُ ضَمَانٍ إِنْ كَانَ مَعَ الِعلْمِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الجَهْلِ بِالغَصْبِ فَهُوَ أَيْضًا يَدُ ضَمَانٍ، وَلكَنْ في إِقْرارَ الضَّمَانِ تَفْصِيِلٌ، وَكُلُّ يدٍ لَو ابْتُنَيِ عَلىَ يَدِ المَالِكِ اقْتَضَى أَصْلُ الضَّمَانِ كَيْدَ العَارِيَةِ وَالسَّوْمَ وَالشِّرَاء، فَإِنِ ابْتُنَيِ عَلىَ يَدِ الغَاصِبِ مَعَ الجَهْلِ اقْتَضَى قَرَارَ الضَّمَانِ عِنْدَ التَّلَفِ، وَمَا لأكيْدِ الوَدِيَعةِ وَالإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالوَكَالَةِ لاَ تَقْتَضِي قرَارَ الضَّمَانِ.
قال الرافعي: قد مر أكثر صور الفصل في "باب الرَّهْن" من الكتاب مع الخلاف، واقتصر هاهنا على ذكر ظاهر المذهب، وهو أن كل يد ترتبت على يد الغاصب، فهي يد ضامن (?) حتى يتخير المالك بين أن يطالب الغاصب عند التلف، وبين أن يطالب من ترتبت يده، على يده سواء علم الغصب، أو لم يعلم؛ لأنه أثبت يده على مال الغير بغير إذنه، والجهل غير مسقط للضمان.
ثم الثاني إن علم بالغصب، فهو كالغاصب من الغاصب، يطالب بكل ما يطالب به الغاصب، وإن تلف المغصوب في يده، فاستقرار ضمانه عليه حتى لو غرم لم يرجع على الأول، ولو غرم الأول رجع إليه إذا لم تختلف قيمته في أيديهما، أو كانت في يد الثاني أكثر.
أما إذا كانت في يد الأول أكثر، فلا يطالب بالزيادة إلا الأول، ويستقر عليه، وإن جهل الثاني الغَصْب، فإن كان اليد في وضعها يد ضمان، كالعارية، فيستقر الضمان على الثاني، وإن كانت يد أمانة كالوديعة، فيستقر على الغاصب.
وإذا تأملت الشرع هناك أعلمت قوله: "وإن كان مع الجهل بالغصب فهو أيضاً يد ضمان" بالواو بالوجه الذاهب إلى أيدي الأمانات لا تقتضى الضمان عند الجهل، وكذا قوله: "لا يقتضى قرار الضمان" للوجه الذاهب فيها إلى القرار.
واعلم أن الطريق المنسوب إلى العراقيين لم يورده الإمام هاهنا كما سبق في "الرَّهْن" ولكن نقل عنهم فرقًا بين أيدي الأمانات على نحو ما تقدم عنهم من التصديق عند دعوى الرد، والاعتماد على ما سبق هناك.