أَذِنَ لَهُ فِي زِرَاعَةِ الحِنْطَةِ لَمْ يَزْرَعْ مَا ضَرَرُهُ وَزَرَعَ مَا ضَرَرَه فَوْقَهَا مِثْلُهَا أَوْ دُونَهِا إِلاَّ إِذَا نَهَاهُ، وَلَوْ أَذِنَ في الغِرَسِ فَبَنَى أَوْ في البِنَاءِ فَغَرَسَ فَوَجْهَانِ لاِخْتِلاَفِ جِنْس الضَّرَرِ، وَلَوْ أَعَارَ الأَرْضَ ولَمْ يُعَيِّنْ فَسَدَتِ العَارِيةُ، فَإِنْ عَيَّنَ جِنْسَ الزِّرَاعَةِ كَفَاهُ.

قال الرافعي ومن أحكام العارية تسلّط المستعير على الانتفاع بحسب إذن المعير وتسليطه، وفيه مسائل:

الأولى: إذا أعار أرضًا للزراعة، فأما أن يبين ما يزرعه أو يطلق، كما إذا قال: أعرتكها لزراعة الحنطة نظر إن لم ينه عن زراعة غيرها، فله أن يزرع الحِنْطَة وما ضرره مثل ضرر الحنطة، أو دونه، وليس له أن يزرع ما ضرره فوق ضرره كالذّرَةَ والقطن، فإن نهاه عن زراعة غيرها لم يكن له زراعة غيرها، وحيث زرع ما ليس له أن يزرعه، فلصاحب الأرض قلعة مجاناً، وإن أطلق ذكر الزراعة ولم يبين المزروع فوجهان:

أصحهما، وهو المذكور في الكتاب أن الإعارة صحيحة، وله أن يزرع ما شاء لإطلاق اللفظ.

والثاني: أنها لا تصح للتفاوت الظاهر بين أنواع المزروع، ولو قيل: تصح الإعارة، ولا يزرع إلاَّ أقل الأنواع ضررًا لكان مذهبًا والله أعلم.

والثانية: إذا أعار للزراعة لم يكن له البناء، ولا الغراس؛ لأن ضررهما أكثر، والقصد منهما الدوام، ولو أعار للبناء فله أن يزرع ولو أعار للغراس هل له أن يبني أو للبناء هل له أن يغرس؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم لتقارب ضررهما، فإن كلاً منهما للابد.

وأصحهما: لا لاختلاف جنس الضرر، فإن ضرر الغِرَاس في باطن الأرض أكثر لانتشار عروقه وضرر البناء في ظاهرها أكثر.

الثالثة: إن كان المستعار لا ينتفع به إلاَّ بجهة واحدة كالبساط الذي لا يصلح إلاَّ أن يفرش فلا حاجة في إعارته إلى التعرض للانتفاع، وإن كان ينتفع به بجهتين، فصاعداً كالأرض تصلح للزراعة والبناء والغراس، والدابة تصلح للحمل والركوب، فهل تصح إعارته مطلقاً أم لا بد من التعرض لجهة الانتفاع؟ فيه وجهان:

أحدهما، وهو الذي أورده القاضي الرّويانِيّ وصاحب "التهذيب" أنها تصح، ولا يضر ما فيها من الجهالة بخلاف الإجارة يشترط فيها التعيين؛ لأنه يحتمل في العارية ما لا يحتمل في الإجارة.

وأظهرهما عند الإمام، وهو المذكور في الكتاب: أنه لا بد من تعيين نوع المنفعة؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015