والثاني: أن القولَ قولُ الضَّامِنِ؛ لأن الأَصْلَ عدم التَّقْصِير، ولأنه قد يكون صادقاً، وعلى تقدير الصِّدْق يكون مَنْعُه مِنَ الرّجُوعِ إضْرَاراً فليصدق للضرورة كما يُصَدَّق الصبي في دَعْوَى البُلوغِ إذ لا يعرف إلا من جِهَتِهِ.
ولو قال: أشهدت فلانًا وفلانًا، فكذباه فهو كما لَوْ لَمْ يُشْهِد ولو قالا: لاَ نَدْرِي وربمَا نَسِينا ففيه ترددٌ لِلإمَام، ومتى لم يقم البينة على الأَدَاءِ وحلف رَبُّ المَالِ بقيت مطالبته بِحَالِهَا، فإن أخذَ المَال من الأَصِيل فَذَاكَ، وإن أَخَذَهُ مِنَ الكَفِيلِ مرة أُخْرَى لم يرجع بهما؛ لأنه مظلوم بِأخْذِها، ولا يرجع إلا على من ظَلَمَه وبم يرجع؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يرجع بِشَيْءٍ، أما المبلغ الأول، فلأنه قَصَّر عِنْدَ أدائه بترك الإشْهَادِ وأما الثَّانِي، فلاعترافه بأنه مَظْلُوم.
وأظهرهما: أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لأنه غَرم لإبراء ذِمَّته، فعلى هذا هَلْ يرجع بالأول لأنه المُبْرِئ للذِّمة، أو بالثَّانِي لأنه المُسْقط للمُطَالَبة؟ فيه وجهان (?).
خاتمة: قال في "التلخيص": لو كان على رجل تسعون درهماً، فجاء مريض فَضَمِنَ عنه بأمره، ولا مَالَ لَهُ غَيْرُه فمات من عَلَيْهِ الحَقُّ ولم يترك إلا خمسةً وأربعينَ درهماً، ومات الضَّامِن وكان لصاحب الحَقِّ بمطالبة ورثة الضَّامن بستين دِرْهَماً، ويرجع ورثة الضَّامِن على المَيِّتِ بثلاثين، ويرجع صَاحِبُ الحق على المَيِّتِ بخمسةَ عشرَ دِرْهَمًا، هذا لفظه.
واعلم أن الضَّمَان في مرض الموت إذا كان بحيث يثبت الرّجوع ووجد الضامِنُ مرجعاً فهو محسوب من رَأَسِ المَالِ، وإن كان بحيث لا يثبت الرّجوع أو لم يجد مرجعاً كموت الأصيل معسراً، فهو محسوب من الثُّلُثِ، وهذا قد مَرَّ طرفٌ مِنْهُ في أوائل الضَّمَانِ، وبه تعرف أنه لم يشترط في صُورة المسألة مَوْت الأَصِيل، ومتى وَفَّتْ تركة الأَصِيل بثلثي الدَّيْنِ فلا دور؛ لأن صَاحِبَ الحَقِّ إن أخذ الحَقَّ من تركة الضَّامِن، رجع ورثته بثلثيه في تَرِكة الأَصِيل، وإن أَخَذَ تركة الأَصِيل وَفضل شَيْءٌ أخذه من تركة الضَّامن ويقع تبرعاً؛ لأن ورثة الضَّامِن لا يجحدون مرجعاً، وإن لم تف التركة بالثلثين فقد يتفق الدّور في المسألة كالصورة المنقولة عن "التلخيص" وهي أن يضمن المريض تسعين وَيَمُوت، وليس له إلا تسعون، ويموت الأَصيل وليس له إلا خمسة وأربعون، فصاحب الحَقِّ بالخيار، إن شاء أخذ تركة الأصيل بتمامها، وحينئذِ لا يقع دور أيضاً، وله مطالبة ورثة الضامِن بثلاثين درهماً، ويقع تبرعاً إذا لم يبق للأصيل تركة حتى يفرض