أصحهما: أنه يكفي؛ لأن الشَّاهِدَ مع اليمين حجة كافية لإثبات الأداء.
والثاني: لا؛ لأنهما قد يَتَرَافَعَانِ إلى حَنَفِىٍّ لا يقضي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، فكان ذلك ضرباً من التَّقْصِيرِ، ولو أشهد مستورين فبانا فَاسِقَيْنِ فوجهان:
أحدهما: أنه كَمَا لَوْ لَمْ يَشْهَد؛ لأن الحَقّ لا يثبت بِشَهَادَتِهِمَا، وأولاهما: الاكتفاء؛ لأنه لا اطلاع لَهُ عَلَى البَاطِنِ فكان معذوراً.
ولا يكفي إشهاد مَنْ يعرف ظنّه عَنْ قَرِيب؛ لأنه لا يفضي إلى المَقْصُود.
أما إذا أدى من غير إشهاد فينظر إن أَدَّى في غيبة الأَصِيل فهو مُقَصِّر بِتَرْكِ الإشْهَاد؛ إذْ كان من حقه الاحتياط وتمهيد طَرِيق الإثبات.
ولو جَحَد رَبُّ الدين ولا رجوع له على الأصيل إن كذبه، وإن صَدَّقه فوجهان:
أحدهما: وبه قال ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أنه يرجع؛ لاعترافه بأنه أبرأ ذِمَّته بإذنه.
وأظهرهما: مَنْعُ الرُّجُوع، وبه قال أبو إسحاق لأنه لَمْ يؤد بِحَيْث ينتفع به الأَصِيلِ، فإن رَبَّ الدَّيْنِ مُنْكِرٌ وطلبت بحالها، وهل يَخْلِف الأَصِيلِ إِذَا كَذَّبه؟ قال في "التتمة": ينبني على أنه لو صدقه، هَلْ يرجع عليه؟
إن قلنا: نعم، حَلَفَ على نَفْي العِلْمِ بالأداء، وإن قلنا: لا، فينبني على أن النُّكُولَ وَرَدَّ اليمين كالإقرار أو كالبينة، إن قلنا: بالأول لم يحلف؛ لأن غايته أن ينكل فيحلف الضَّامن، فيكون كما لو صدقه، وذلك لا يفيد الرجوع. وإن قلنا: بالثَّاني، طَمعاً في أن ينكل وَيَحْلِف، فيكون كما إذا أَقَامَ البينة.
ولو كَذَّبَهُ الأَصِيلِ وَصَدَّقَهُ رَبُّ المال، فوجهان:
أحدهما: أنه لا رجوع له، ولا ينهض قولُ رَبِّ المال حجةً على الأَصِيل.
وأظهرهما: ثبوت الرجوع لسقوط الطلبة بإقْرَارِه، وإقراره أقوى من البَيِّنَةِ مع إِنْكَارِه، فإن أدى في حضور الأَصِيل فقد حكى الشَّيْخُ أبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَجْهاً: أنه لا يرجع، كما لو ترك الإشْهَادَ في غيبته، وظاهر المَذْهَبِ المَنْصُوصِ: أنه يرجع؛ لأنه في الغَيْبَةِ مستبد بالأَمْرِ، فعليه الاحتياط والتوثيق، فإذا كان الأصيل حاضراً فهو أولى بالاحتياط، والتقصيرُ وتَرْكُ الإشْهَاد مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ، وإذا توافق الأَصِيل والضَّامِن على أنه أشهد ولكن مَاتَ الشهود أو غَابُوا ثبت له الرجوع؛ لأنه أَتَي بمَا عَلَيْهِ، ونقل الإمام وجهاً بعيداً: أنه لاَ رُجُوعَ إذا لم ينتفع بادائه إذ القولُ قولُ رَبِّ الدَّيْن في نفي الاستيفاء، ولو قال الضَّامِن: أشهدت، وماتوا، فأنكر الأَصِيل الإشْهَاد، ففيه وَجْهَان:
أصحهما: أن القولَ قولُ الأَصِيل لأن الأَصْلَ عدم الإِشْهَاد.