أئمتنا أن من شرط الحوالة استقرار ما يحال به ويحال عليه، وللمسعودي إشارة إلى مَنْعِ الحوالة بالثمن قبل قَبْض المبيع؛ لأنه غير مستقر، واستشهد عليه أن المزني تعرض في صورة المسألة للمبيع واشتراطه، وإنما فعل ذلك لِهَذا المعنى والله أعلم.

النظر الثاني: هل تفترق الحال بين أن ينفق الرَّد بعد قبض المُحْتَالِ مَالَ الحَوَالَةِ، أو قبله؟ فيه طريقان:

أحدهما: أن الحوالة لا تنقطع إذا اتفق الرد بعد القَبْضِ جزماً، والخلاف مخصوص بما إذا كان ذلك قَبْلَ القَبْضِ، والفرق تكد الأمر بالقَبْضِ، فتبرأ ذمة المَحَالِ عَلَيْهِ، وهذا ما أورده أصحابنا العراقيون، والشَيْخُ أَبُو عَلِيّ.

والثاني: طرد القولين في الحالين، وهو اختيار صاحبي "التهذيب" و"التتمة" والأكثرين، وهذا كله فيما إذا أحال المُشْترِي البائعَ على رَجُلٍ، ولو أحال البائعُ رجلاً على المُشْتَرِي، فمنهم من طرد القولين، وقطع الجمهور بأنه لا تنقطع الحوالة؛ وسواء قبض المحتال مال الحوالة من المُشْتَرِي أو لم يقبضه، والفرق أن الحوالة هاهنا تعلق بها حق غير المتعاقدين فبعد ارتفاعها يفسخ من المتعاقدين، وصار كلما لو اشترى عبداً بجارية وقبضه وباعه، ثم وجد بائع العبد بالجارية عيباً فردها لا ينفسخ البيع الثاني لأنه تعلق به حق ثالث، فإذن القولان مَخْصُوصَانِ بالصورة السَّابقة، ولنفرع عليهما.

إن قلنا: لا تبطل الحوالة، فلا يطالب المُشْتَرِي أن يحال عليه بِحَالٍ، ولكن يرجع على البَائِع فيطالبه إن كان قد قبض مال الحوالة، ولا يتعين حقه فيما أخذ، بل له إبداله لبقاء الحَوالة صحِيحة، وإن لم يقبضه، فله أن يقبضه، وهل للمشتري الرجوع عَلَيْهِ قبل قبضه؟ فيه وَجْهَان:

نَعَم؛ لأن الحوالة كالمقبوض، ألا ترى أن المشتري إذا أحال البَائِع بالثمن سقط حق الحبس، والزّوج إذا أحال المرأة بالصَّداق سقط حق حبسها، وأصحهما عند الصَّيْدَلاَنِيِّ وغيره: أنه لا يرجع؛ لأنه لم توجد حقيقة القبض، وإن كان للحوالة حُكْم القبض والغرامة إنما تكون بِحَسَبِ القبض.

فإن قلنا: لا يرجع المشتري عليه قبل أن يَقْبِض فله مطالبته بتحصيل مَالِ الحوالة ليرجع عليه؛ لأن البائعَ إنما يملك مُطَالَبَة المُحَالِ عَلَيْهِ من جهةٍ، فكيف يمنعه من المطالبة مطلقاً؟ وفيه وجه بعيد أنه لا يملك المُطَالبة بالتحصيل أيضاً.

وإن قلنا: تبطل الحوالة فإن كان قد قبض المالَ من المحالِ عَلَيْهِ فليس له رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لأنه قبض بإذن المُشْتَرِي، ولو رده لم تسقط مُطَالبة المشتري عنه، بل حقه الرد على المُشْتَرِي، ويتعين حقه فيما قبضه فإن كان تالفاً فعليه بدله، وإن لم يكن قبضه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015