وإذا صححنا الرهن والواجب القصاص، ومنعناه والواجب المال فرهن والواجب القِصَاص، ثم على المُسْتحق على مال فيبطل الرهن من أصله، أو هو كجناية تصدر من المرهون، حتى يبقى الرهن لو لم يبع في الجناية فيه وجهان:
اختار الشيخ أبو محمد أولهما، وإذا قيل به فلو كان قد حفر بئراً في محل عدوان، فَتَرَدَّى فيها بعد مَا رهن، ففي تبين الفساد وجهان، والفرق أنه في الصورة الأولى رهن وهو جان وهاهنا بخلافه.
الثالثة: قال الشَّافعي -رضي الله عنه-: ولو دبره ثم رهنه كان الرهن مفسوخاً أي باطلاً، وللأصحاب في رهن المُدَبّر طرق:
أحدها، وبه قال ابن سُرَيج: أنه على قولين مبنيين على أنَّ التَّدْبير وصية أو تعليق عتق بصفة.
إنْ قلنا: بالأول صح الرهن.
وإن قلنا بالثاني لم يصح على الأصح، كما لو رهن المُعلق عتقه بصفة يحتمل أنْ تتقدم على المحل، ويحتمل أنْ تتأخر.
والثاني: القطع بالمنع؛ لأن السَّيد قَدْ يموت فَجْأَة، فيبطل مقصود الرهن، ولا يقف على موته ليبيعه قبله، ومن قال بهذا قال: التَّدْبير وإنْ جعل وصية فهو آكد من سائر الوَصَايا بدليل أنه يَتَنَجَّز بالموت، والرهن ليس بصريح في الرجوع فجاز أن يؤثر في سائر الوصايا، ولا يؤثر في التَّدْبير.
والثالث: القطع بجواز رَهْنِه كبيعه.
التفريع: إن صححنا الرهن بناء على أنه وصية، فيبطل التَّدْبِير ويكون بالرَّهْن راجعاً عنه، وهو اختيار المزني، وإن أبطلناه بناء على أنه تَعْلِيق عتق بصفة، فالتَّدْبير بَاقٍ بحاله، ولا يحصل الرجوع إلاَّ بتصرف مزيل للملك، وكذا الحكم إن قلنا بالطريقة الثانية.
وإن قلنا بالثالثة فالتَّدْبِير باقٍ أيضاً، وهو مرهون مدبر، فإن قضى الراهن الدين من غيره فذاك، وإنْ رجع في التَّدْبير وباعه في الدَّيْن بطل التدبير، وإن امتنع من الرجوع فيه ومن بيعه فإنْ كان له مال آخر أُجيرَ على قضائه منه، وإلاَّ فوجهان عن أبي إسحاق.
أصحهما: أنه يباع في الدين ويفسخ التدبير.
والثاني: أنه يحكم بفساد الرهن، ومن قال بهذا حمل قول الشافعي -رضي الله عنه- وكان الرَّهن مفسوخاً عليه.