والطريق الثاني: أنهما على قولين، وحيث اعتبرنا قيمة محل الإتلاف فقد ذكر الإمام احتمالين في أن المعتبر في الصرف إلى الطَّعَامِ سعر الطَّعَامِ في ذلك المكان أيضاً، أو سعر الطَّعَامِ بمكة، والظاهر منهما الثاني.
قال الغزالي: وَالمِثْلِيُّ كَالنَّعَامَةِ فَفِيهِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الوَحْشِ بَقَرَةٌ، وفي الضِّبُعِ كبْشٌ، وَفِي الأَرْنَبِ عنَاقٌ، وَفي الظَّبْي عَنْزٌ، وَفِي اليَرْبُوعِ جَفْرةٌ، وَفِي الصَّغِيرِ صَغِيرٌ، وَيَحْكُمُ بالمُمَاثَلَةِ عَدْلاَنِ، فَإنْ كَانَ القَاتِلُ أَحَدَهُمَا وَهُوَ مُخْطِئٌ غَيْرُ فَاسِقٍ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ، وَفِي الحَمَامِ شَاةٌ، وَفِي مَعْنَاهُ القُمْرِيُّ وَالفَوَاخِتُ وَكُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ، وَمَا دُونَهُ فِيهِ القِيمَةُ، وَمَا فَوْقَهُ فِيهِ قَوْلاَنِ، أَحَدُهُمَا القِيمَةُ قِيَاساً، وَالثَّاني: إِلْحَاقُهُ بِالحَمَامِ.
قال الرافعي: من المهم في الباب معرفة أن المثل ليس معتبراً على التَّحْقِيق، وإنما هو معتبر على التَّقْرِيب، وليس معتبراً في القيمة، بل في الصورة والخلقة؛ لأن الصحابة -رضي الله عنهم- حكموا في النَّوْعِ الواحد من الصيد بالنواع الواحد من النَّعَمِ مع اختلاف البِلاَد، وتفاوت الأزمان واختلاف القِيَم بحسب اختلافها، فعلم أنهم اعتبروا الخِلْقَة والصُّورة. إذا تقرر ذلك فالكلام في الدَّواب، ثم في الطيور أما الدواب فما ورد فيه نَصٌّ، فهو متبع، وكذلك كل ما حكم فيه عَدْلاَن من الصَّحَابَةِ أو التابعين، أو من أهْلِ عصر آخر من النَّعَمِ أنه مثل للصيد المقتول يتبع حكمهم، ولا حاجة إلى تحكيم غيرهم. قال الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (?) وقد حَكَمَا.
وعن مَالِكٍ أنه لا بد من تحكيم عَدْلَيْنِ من أهْلِ العَصْرِ، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أَنَّهُ قُضَىَ فِي الضَّبعِ (?) بِكَبْشٍ" (?) وعن الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم قضوا في النَّعَامَةِ ببدنة، وفي حمار الوَحْشِ وبقر الوحش بِبَقَرَةٍ، وفي الغَزَالِ بعَنزٍ، وفي الأرْنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة، وعن عثمان (?) -رضي الله عنه- أنه حكم في أم حُبَيْنٍ