أما لو انفلت بعيره فأصاب الصَّيد، فلا شيء عليه، نص على ذلك كله. وأما إذا تقدم ابتداء اليَد على الإِحْرَام، فإن كان في يَدِهِ صَيْدٌ مملوك له ثم أحرم فهل يلزمه رفع اليد عنه؟ فيه قولان:
أحدُهما: لا، كما لا يلزمه تَسْرِيحُ زَوْجَتِهِ وإن حرم ابتداء النكاح عليه.
والثاني: نعم؛ لأن الصَّيْدَ لا يراد للدَّوَام، فتحرم استدامته كالطَّيب واللَّبَاسِ، ويحرم عليه النِّكَاح فإنه يقصد للدوام، وهذا أَصحُّ القولين على ما ذكرهَ المُحَامِلِي، والكرخِي، وغيرهما من العِرَاقِيينَ.
واعلم: أنا نعني برفع اليَدِ الإِرْسَال، والإطْلاَق الكُلِّي.
وقال مالك وأبو حنيفة، وأحمد -رحمهم الله- يجب رفع اليد المتأبدة عنه، ولا يجب رفع اليد الحُكُمِيَّة، والإرسال المُطْلَق.
التفريع: إن لم نوجب الإرْسَال فهو على مِلْكه، له بيعه وهبته، لكن لا يجوز له قتله، ولو قتله يجب الجزاء كما لو قَتَلَ عبدَه يلزَمُه الكَفَّارة، ولو أرسله غيره لزمه القيمة للمالك، وإن قتله فكذلك فإن كان محرماً لزمه الجَزَاءُ أيضاً، ولا شَيْءَ على المَالِك كَمَا لو مات. وإن أوجبنا الإرْسَال فهل يزول مِلْكُه عنه؟ فيه قولان:
أحدهما: وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد -رحمهم الله-: لا، كما لا يبين زوجته.
والثاني: نعم، كما يزول حِلّ الطِّيب، واللباس، وهذا أصحِ عند العراقيين، وعكس بعض الأصحاب الترتيب فوضع القولين في زَوَالِ الملك أولاً، ثم قال إن قلنا: لا يزول الملك ففي وجوب الإرْسَال قولان، والأمر فيه قريب التفريع إن قلنا يزول ملكه فأرسله غيره، أو قتله فلا شيءَ عليه، ولو أرسله المُحْرِم فأخذه غيره ملكه، ولو لم يرسله حتى تحلل فَهَلْ عليه إرْسَالُه؟ فيه وَجْهَان:
أحدهما: وهو المنصوص نعم، لأنه كان مستحق الإرْسَال فلا يرتفع هذا الاستحقاق بتعديه بالإمساك.
والثاني: ويحكى عن أبي إسحاق: أنه لا يجب، ويعود ملكاً له كالعصير إذا تَخَمَّر، ثم تَخَلَّل، وحكى الإمام -رحمه الله- على هذا القول وجهين في أنه يزول بِنَفْسِ الإحْرَام، أو الإحرام يوجب عليه الإرْسَال، فإذا أرسل حينئذ يَزُول، والأول أشْبَهُ بِكَلاَم الجُمْهُور. وإن قلنا: لا يزول ملكه عنه فليس لغيره أخذه، ولو أخذه لَمْ يَمْلِكْهُ، ولو قَتله ضَمِنَه، وهو بمثابة المتفلت من يده، وعلى القولين جميعاً لو مات الصَّيْد في يده بعد إمكان الإرْسَال لزمه الجزاء؛ لأنهما مفرعان على وجوب الإرْسَال، وهو مقصر