مكة هل يلزمُهُ الإحْرَامُ بِنُسُكٍ؟ وفيه خلاف مَذْكُورٌ فِي الكِتَاب في فَصْلِ سُنَنِ دُخُولِ مَكَّة، فإن ألزمناه فعليه إنشاؤه من المِيقَات، فيأثم بمجاوزته غير محرم كما إذا جاوزه على قَصْدِ النُّسُك غير محرم، وإن لم يلزمه الإحرام فهو كمن جاوزه غير قاصد للتوجه إلى مكَّة.

الثالث: الذي مسكنه بين أَحَدِ المواقيت وبين مكَّة فميقاته مَسْكَنُه، يعني: القرية التي يسكنها والحلة التي ينزلها البَدَوِيّ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- بعد الذكر المواقيت: "فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمَهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ" وقوله في الكتاب: (والذي جاوز الميقات لا على قصد النسك إلخ) قد أطلق الكلام فيه إطلاقاً، ولا بد من التفصيل الذي ذكرناه، ويجوز أن يعلم قوله: (فميقاته حيث عنّ له) بالألف؛ لأن عند أحمد أنه إذا جاوز غير قاصد لدخول مَكَّة، ثم عَنَّ له قصد النسك يلزمه العود إلى الميقات، فإن لم يعد فعليه دم.

قال الغزالي: والأَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ المِيقَاتِ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ آخِرِهِ فَلاَ بَأْسِ، وَلَوْ حَاذَى مِيقاتاً فَمِيقَاتُهُ عِنْدَ المُحَاذَاةِ إِذ المَقْصُودُ مِقْدَارُ البُعْدِ عَنْ مَكَّةِ، وَإِنْ جَاءَ مِنْ نَاحِيَةً لَمْ تُحَاذ مِيقَاتاً وَلاَ مَرَّ بِهِ أَحْرَمَ مِنْ مَرْحَلَتَينِ، فَإِنَّهُ أَقَلُّ المَوَاقِيتِ وَهُوَ ذَاتُ عِرْقٍ.

قال الرافعي: في الفصل صور:

إحداهَا: يستحب لمن يحرم من بعض المَوَاقِيت الشَّرْعِية، أن يحرم من أول جزء ينتهي إليه، وهو الطرف الأبعد من مكَّة، ليقطع الباقي مُحْرِماً، ولو أحرم من آخره جاز؛ لوقوع الاسم عليه، ويستحب لمن ميقاته حلته أو قريته أيضاً أن يحرم من الطَّرف الأبعد، والاعتبار في المواقيت الشرعية بتلك المواضع لا بالقرى والأبنية، حتى لا يتغير الحكم لو خرب بعضها فنقلت العمارة إلى موضع آخر قريبٍ منه، وسُمِّي بذلك الاسم.

الثانية: إذا سلك البحر أو طريقاً في البر لا ينتهي إلى واحد من المواقيت المُعَيَّنة فميقاته الموضع الذي يُحَاذِي الميقات المعين، فإن اشتبه عليه فليتأخ، وطريق الاحتياط لا يَخْفَى.

ولو حاذى ميقاتين يتوسطهما طريقه نظر إن تساويا في المسافة إلى مَكَّة وإلى طريقه جميعاً، أو في المسافة إلى مكَّة وحدها فميقاته الموضع الذي يُحَاذِيها، وإن تساويا في المسافة إلى طريقه، وتفاوتا في المسافة إلى مَكَّة ففيه وجهان:

أحدهما: أنه يتخير إن شاء أحرم من الموضع المحَاذِي لَأَبْعَدِ الميقاتين، وإن شاء أحرم من الموضع المحاذي لأقربهما.

وأظهرهما -وبه قال القفال-: أنه يحرم من الموضع المحاذي لأبعدهما، وليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015