لو استأجره لِخِيَاطَةِ ثَوْب فخاط بعضه، ثم اختلفوا فصار صَائرُون إلى أن القَوْلَيْنِ مَبْنِيَّاً على أن البِنَاء على الحَجِّ هل يجوز أم لا إن مَنَعْنَاه لم يلزم شيء من الأجرةَ، لأن المستأجر لم ينتفع بما فعله، وإن جَوَّزُنَاه لَزِم، وفي كلام أصْحَابنا العراقيين ما ينفي هذا البناء لأمرين:
أحدهما: أن ابْن عَبْدَان ذَكر أن الجديد استحقاق الأجرة، والقديم خلافه، وذلك على عكس المنقول في جَوازِ البِنَاء.
والثاني: أن كلمة الأصحاب متفقة على تَرْجِيحِ قَوْلِ المَنْع مِنْ قَوْلي البِنَاءِ؛ وقد حكم كَثِيرٌ منهم بترجيح قول الاستحقاق إما صريحاً فقد ذكره الكرَخِي وغيره.
وأما دلالة فلأنهم أشاروا إلى أن مأخذ القولين أن هذا العقد يلحق بالإجارات أو بالجَعَالات من حيث إن المقصود عاقبة الأمر وقطع المسافة ليس بمقصود، ولا بد منه ثم إنهم استبعدوا الحاقه بالجَعَالاَت، وعدوه إجارة، ومعلوم أن في الإِجَارة يستحق بعض الأجرة بِبَعْضِ العَمَلِ، وأوْرَدَ الإِمَامُ -رضي الله عنه- طريقة متوسطة بينهما، وتابعه صاحب الكتاب فقالا: إن جوزنا البناء؛ استحق قِسْطاً من الأُجْرَةِ، لا محالة؛ لأن المستأجر بسبيل من إتمامه، وإن لم تجوزه ففي الاستحقاق الخِلاَف، ووجه عدم الاستحقاق أن ما عمله قد حَبِطَ، ولم ينتفع المستأجر به، ووجه الاستحقاق: أنه ينفعه في الثَّوَاب وإن لم ينفعه في الإجزاء؛ وقد أتى الأَجِيرُ بِمَا عَلَيْهِ، والموت ليس إليه والمَشْهُورُ مِنَ الخِلاَف القولان، وصاحب الكِتَاب نقلهما وَجْهَيْنُ.
فإن قلنا: إنه لا يستحق شيئاً فذلك فيما إذا مَاتَ قَبْلَ الوُقُوفِ بعرفة، فإن مات بعده فقد حكى الحَنَّاطِي فيه وجهين، والأظهر أنَّهُ لا فَرق.
وإن قلنا: إنه يستحق شيئاً فالأجرةُ تُقَسَّطُ عَلَى الأَعْمَال وَحْدَها، أم عليها مع السَّيْرِ فيه طريقان، قال الأكثرون هُوَ على قولين:
أحدهما: أنها تقسط على الأعْمَالِ وَحْدَها؛ لأن الأُجْرَة تقابل المَقْصُود، والسَّيْرِ تسبب إليه وليس من المقصود في شيء.
وأظهرهما: أنها تُقَسَّطُ عَلَى العَمَلِ وَالسَّيْرِ جميعاً، لأن للوسائل حكم المقاصد، وتعب الأجير في السَّير أكثر، فيبعد أن لا يقابل بشيءٍ؛ وقال ابنُ سُرَيْج -رحمه الله- إن قال: استئجرتك لتحج عني، فالتوزيع على الأَعْمَالِ وَحْدَها.
وإن قال: لتحج من بلد كَذَا، فالتوزيع على السَّيْرِ والأعمال جميعاً، ونزل النَّصَّيْنِ على الحَالَيْنِ، ثم هل يبنى على ما فَعَلَه الأَجِير؟ ينظر كانت الإجَارة على العَيْنِ انفسخت، ولا بناء لورثة الأَجِير، أما لم يكن لَهُ أن ينيب بِنَفْسِهِ، وَهل لِلْمُسْتَأْجِرِ أن