ولك أن تقول: لم تشبه مخالفة المستأجر بمخالفة الشّرع، ولا نسلم أن المستأجر لا يحصله لنفسه، بل يحصله ليخرج النفس عن عهدة الواجب، وللفعل المخرج كيفيات مخصوصة بعضها أفضل من بعض، فاليراع غرضه فيه، ثم الفارق أن مخالفةَ الشَّرْع فيما لا يفسد يستحيل أن يؤثر في الإفساد، وإذا صَحَّ فمحال أن يصح لغيره، وقد أتَى به لنفسه.

وأما النسك الذي خالف فيه المستأجر فلا ضرورة في وقوعه عنه، بل أمكن صرفه إلى الْمُبَاشَرَةِ على المعهود في نظائرة، -والله أعلم-.

قال الغزالي: الرَّابِعَةُ إِذَا جَامَعَ الأَجِيرُ فَسَدَ حَجُّهُ وانفَسَخَتِ الإِجَارَةُ إِنْ وَرَدَتْ عَلَى عَينِهِ وَلَزَمَهُ القَضَاءُ لنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى ذِمَّتِهِ لم تَنفَسِخْ، وَهِلْ يَقَعُ قَضَاؤُهُ عَنِ المُسْتَأجِرِ أَوْ تَجِبُ حَجَّةٌ أُخرى سَوى القَضَاءِ لَهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

قال الرافعي: إذا جامع الأجير فَسَد حَجُّه. وانقلب إلى الأجير فيلزمه الكَفَّارة، والمضي في الفَاسِدِ وَالْقَضَاءِ، ووجهه أنه أتى بغير ما أُمِر بِهِ، فإن المأمورَ بِهِ الحَجُّ الصَّحِيح، والمأتى بهِ الحَجُّ الفَاسِدُ، فينصرف إِلَيْهِ كما لو أمره بشراء شَيْء بصفة فاشترى على غير تلك الصِّفة يقع عن المأمور، وقد ينقلب الحجُّ عن الحالة التي انعقد عليها إلى غيرها ألا ترى أن حج الصَّبِيّ ينعقد نَفْلاً، ثم إذا بلغ قبل الوقوف ينقلب فرضاً.

فإن قيل: إنه موقوفٌ في الابتداء.

قلنا: بمثله هاهنا: وروى صاحب "التهذيب" -رضي الله عنه- عن المزني -رحمه الله- إنه لا يَنْقَلِبُ إلى الأَجِيرِ، بَلْ يَقَعُ الفَاسِدُ والقَضَاءُ جَمِيعاً عن المُسْتأْجِرِ، وفي هذا تسليم لوجوب القَضَاء، لكن لرواية المَشْهُورة عنه أنه لا انقلاب ولا قَضَاء أما أنه لا انقلاب، فلأن الإحرام قد انعقد عن المستأجر فلا ينقلب إلى غيره، وأما أنه لا قضاء فلأن من له الحَجُّ لم يفسده فلا يؤثر فِعْل غيره فيه، ولم يعز الحَنّاطِي هذا المذهب إلى المزني لكن قال: إنه حَكَاه قولاً، وإذا قلنا بظاهر المذهب فإن كانت الإجارةُ على العَيْنِ انفسخت، والقضاء الذي يأتي به الأجير يقع عنه، وإن كانت في الذمة لم تنفسخ وعمن يقع القَضَاء؟ فيه وجهان، وقيل: قولان:

أحدهما: عن المستأجرِ، لأنه قضاء الأول، وَلوْلا فسادة ولوقع عنه.

وأصحهما: عن الأجير، القضاء يحكى الأداء، والأداء وَاقِعٌ عن الأجير، فعلى هذا يلزمه سوى القضاء حجَةٌ أخرى للمُسْتَأجِرِ، فيقضى عَنْ نَفْسِهِ ثم عن المُسْتَأجر في سَنَةٍ أَخْرَى، أو ينيسب من يحج عنه في تِلْكَ السَّنَة، وحيث لا تنفسخ الإجارة، فللمستأجر خِيَار الفَسْخ، لتأخر المقصود وفرق أصحابنا العراقيون بين أن يَسْتَاجِر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015