لِتَرْكِهِ الإِحرَامَ من الميقَاتِ، وعلى المستأجر دَمٌ آخر؛ لأن القرآن الذي أمر به يتضمنه، واستبعده ابْنُ الصَّبَّاح وغيره.

المسألة الثانية: إذا أمره بالتمتع فامتثل فالحكم كما لو أمره بالقران فامتثل، وإن أفرد نظر أن قدم العُمْرَة وعاد للحج إلى الميقات فقد زاد خيراً، وإن أخرَّ العُمْرة فإن كانت الاجارة إجارة عَيْنٍ انفسخت فيها لفوات الوقت المُعَيَّنِ للعمرة فيود حصتَهَا مِنَ المسمى، وإن كانت الإجارةُ عَلَى الذِّمَّةِ وعاد للعمرة إلى الميقات لم يلزمه شَيْءٌ، وإن لم يعد فعليه دَمٌ لترك الإحرام بالعمرة من الميقات، وفي حَطِّ شَيْءٍ من الأجرة الخلاف السَّابق، وإن قرن فالمنقول عن النصِّ أنه قد زاد خيراً لأنه أحرم بالنُّسُكَينِ من الميقات وكان مأموراً بأن يحرم بالعُمْرَةِ مِنْهُ وَبَالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، ثم إن عَدَّد الأفعال فَلاَ شَيْء عَلَيْهِ، وإلا فَقَدْ نَقَلُوا وَجْهَيْنِ في أنه هَلْ يَحُطُّ شيئاً من الأُجْرَة للاختصار في الأفعال، وفي أن الدم على المستأجر لأمره بما يتضمن الدّم أم على الأَجير لنُقْصَانِ الأفعال؟ وكل ذلك مُخَرَّجٌ على الخلاف المُقَدَّمِ في عكسه وهو ما إذا تَمتَّع الَمأَمور بالقَرَانِ.

المسألة الثالثة: لو أمره بالإِفْرَاد وامتثل فذاك وإن قَرَن نظر إن كانت الإجارةُ عَلَى العَيْنِ فالعمرة واقعة لاَ فِي وَقْتِهَا فهو كما لو استأجره للحج وحده فَقَرن، وإن كانت في الذِّمة وقعَا عن المستأجر؛ لأن القران كالإفراد شرعاً في أخراج النَّفْسِ عَنِ العَهْدَ، ويجب على الأَجِير الدم، وهل يحط شيئاً من الأُجرة أم ينجبر الخَلَلُ بالدَّمِ؟ فيه الخلاف السَّابق. وإن تمتع فإن كانت الإجارة على العَيْنِ وقد أمره بتأخير العُمْرةَ فقد وقعت في غَيْر وَقْتِهَا فيرد ما يخصها من الأجرة، وإن أمره بتقديمها أو كانت الإجارةُ على الذِّمة وقعَا عن المُسْتَأْجِرِ، وعلى الأَجِير دَمٌ إن لم يعد للحج إلى الميقات، وفي حَطِّ شَيْءٍ من الأجرة الخِلاَف السَّابق.

وقوله في الكتاب (وفي حظ شيء من الأجرة مع جبره بالدم) ظاهره يقتضي كَوْنَ الجبر مجزوماً به، وليس كذلك بل التردد في الحَطِّ تردد في أن خلل المُخَالَفَةِ هل ينجبر بالدَّمِ أم لا على ما تَقَرَّرَ وَتَكَرَّرَ.

واعلم: أن المسائل مشتركة في أن العُدُولَ عن الجِهَةِ المأمور بها إلى غيرها غَيْر قَادِحٍ في وُقُوع النُّسُكَيْنِ عن المستأجر، وفيه إشكال؛ لأن ما يراعى الإذن في أصْلِهِ يُراعَى فِي تَفَاصِيلِهِ المقصود، فإذا خالف كان المَأْتِيُّ بِهِ غَيْرَ المأذونِ فِيهِ.

وأجاب الإمام -رحمه الله- عنه بأن مُخَالَفَةَ المُسْتَأْجِرِ مشبهة بمخالفة الشَّرْع في ترك المأمورات وارتكاب المَحْظُورَاتِ التي لا تفسد وهي لا تمنع الاعتداد بأصْلِ النُّسُكَيْنِ، وهذا لأن المستأجر لا يحصل الحَجَّ لنفسه، وإنما يحصله ليقع للهِ تَعَالى، فجعلت مخالفته كمخالفة الشَّرع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015