والثَّاني -ويحكى عن اختيار القَفَّالِ-: أنه لاَ يلزم؛ لأن المَاشِي عَلَى خَطَرٍ، وفي بذل المَالِ في أجرته تَغْرِيرٌ به، ولو طلب الأَجِيرُ أكثرَ مِنْ أُجْرَةِ المثل لم يلزم الاستئجار، وإن رَضِيَ بأقل منها لَزِمَه، وإذا امتنع من الاستئجار فهل يستأجر عليه الحاكم؟ فيه وجهان:

أشبههما: أنه لا يستأجر، وقوله في الكتاب: (من المكلف الحُر) كالمستغنى عنه في هذا المَوْضِع؛ لأنه قد سَبَقَ بَيَانُ اشْتِرَاط التَّكليف والحُرِّيَةِ فِي وجُوب الحَجِّ، وكلامنا الآن في شَرْطِ الاسْتِطَاعَة، وإذا كُنَّا فِي ذكر أَحَدِ شروط الشَّيْءِ لم نَحتج إلى التَّعرض فيه لِسَائِرِ الشّروط وإلا لا نجر بنا الأمر إلى ذِكرِ كُلِّ شَرْطٍ في كُلِّ شرط -والله أعلم-.

قال الغزالي: وإنْ قَدَرَ بِبَذْلِ الأجْنَبِيِّ مَالاً لَمْ يَلْزَمْهُ القَبُولُ لِلْمِنَّةِ، وإنْ بَذَلَ ابْنُهُ الطَّاعَةَ فِي الحَجِّ عَنْهُ وَجَبَ القَبُولُ (ح)، وَإِنْ بَذَلَ الأَجْنَبِيُّ الطَّاعَةَ أَوْ الابْن المَالَ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ الابْنُ مَاشِياً فَفِي لُزُوم القَبُولِ وَجْهَانِ، وَإن كَانَ مُعَوَّلاً فِي زَادِهِ عَلَى الكَسْبِ أَوْ عَلَى السُّؤَالِ فَخِلاَف مُرَتَّبٌ، وَأَوْلَى بِأَنْ لاَ يَجِبَ.

قال الرافعي: الطريق الثاني: ألا يجد المالَ ولكن يَجِد مَنْ يحصل له الحَجَّ، وفيه صور:

إحداها: أن يبذل الأَجْنَبِي مَالاً لِيَسْتأجر به، وفي لزوم قَبُولِهِ وَجْهَانِ حكاهما الحَنَّاطِيُّ وغيره.

أحدهما: يلزم؛ لحصول الاستطاعة بما يبذله.

وأصحهما -وهو المذكور في الكتاب-: أنه لاَ يُلْزَم؛ لما فيه من المِنَّةِ الثَّقِيلَةِ.

والثانية: أن يبذل واحداً مِنْ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وأولادِهم الطَّاعة في الحَجِّ، فيلزمه القبول والحَجّ (?) خلافاً لأبي حنيفة وأحمد -رحمهما الله-.

لنا أن وجوب الحَجِّ مُعَلَّقٌ في نَصِّ القرآن بوجود الاستطاعة، وإنَّهَا تارة تكون بالنَّفْس، وتارة بالأعوان والأنْصَار، ألا ترى أنه يصدق ممن لا يحسن البناء أن يقول: أنا مُسْتَطِيعٌ لبناء دَارٍ إذا تمكن منه بالأسباب والأعوان.

إذا تقرر ذلك فيشترط فيه أن لا يكون المُطِيعُ ضرورة ولا معضوباً وأن يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015