المحمل، وأطلقوا القول فيه؛ لأنه أسْتَر لها، وأليق بحالها، ثم العادة جارية بركوب اثنين في المحمل، فإن وجد مؤنة مَحْمل أو شِقّ محمل وَوَجَدَ شَرِيكاً يجلس في الجانب الآخر لَزِمه الحَجّ، وإن لم يجد الشَّرِيك فلا.

أما إذا لم يجد إلا مؤنة فظاهر، وأما إذا وجد مؤنة المحمل بتمامه فقد علله في "الوسيط" بأن بذل الزيادة خسران لا مقابل له، أي هو مؤنة مُجْحِفة يَعْسُر احتمالها وكان لا يبعد تخريجه على الخلاف في لزوم أجرة البَذْرَقة (?)، وفي كلام الإمام إشارة إليه.

والقسم الثاني: من ليس بينه وبين مُكَّة مسافة القَصْر، بأن كان من أهل مكة، أو كان بينه وبينها دون مَسَافَةِ القَصْر، فإن كان قَوِيّاً على المشي لَزِمه الحَجُّ، ولم يعتبر في حقه وجدان الرَّاحِلَة. وإن كان ضعيفاً لا يقوى على المشي أو يناله منه ضَرَرٌ ظاهر فَلاَ بُدَّ من الرَّاحِلَة، ومن المحمل أيضاً إن لم يمكنه الركوب دونه، كما في حَقِّ البعيد.

ووجدتُ لبعض المتأخرين من أئمة طبرستان تَخْرِيجَ وَجْهٍ في أن القريب كالبعيد مُطْلقاً، والمشهور الفرق، ولا يؤمر بالزَّحْفِ بحَالٍ وإن أمكن، وحيث اعتبرنا وجدان الراحلة والمحمل فالمراد منه أن يملكهما، أوَ يَتَمَكَّن من تحصيلهما مِلْكاً أو استئجاراً بثمن المثل، أو أُجْرَة المِثْلِ. واعلم: أنه يشترط أن يكون ما يصرفه إلى الراحلة مع المَحْمَل أو دونه فَاضِلاً عما يشترط كون الزَّادِ فاضلاً عنه، وسيأتي ذلك.

وقوله: (أما الراحلة فلا بد منها) قد عرفت أنه غير مُجْرى على إطلاقه لوجوب الحج على القريب المتمكن من المشي.

وقوله: (ولا على من لا يستمسك على الراحلة) أي من غير محمل ونحوه لا مطلقاً، بخلاف قوله بعد هذا: (أما البدن فلا يعتبر فيه إلا قوة يستمسك بها على الراحلة) فإن المراد هناك الاسْتِمْسَاك عليها مُطْلقاً. وقوله: (ما لم يجد محملاً، أو شِقّ محمل مع شريك) الوجه صرف قوله: (مع شريك) إلى حالتي وجدان المَحْمَل ووجدان الشّق؛ لأنه لو خصص بما إذا وجد الشق لكان ذلك حكماً باللزوم فيما إذا وجد مَؤْنَة المحمل مطلقاً، وهو خلاف ما نقلناه في "الوسيط".

قال الغزالي: (وَأَمَّا الزَّادُ) فَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ مَا يَبْلِغُهُ إلَى الحَجِّ فَاضِلاً عَنْ حَاجَتِهِ اعني بِهِ المَسْكَنَ وَالَعَبْدَ الَّذِي يَخْدُمُهُ وَدَسْتَ ثَوْبِهِ وَنَفَقَةَ أَهْلِهِ إِلَى الإِيَابِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلٌ وَلاَ مَسْكَنٌ فَفِي اشْتِرَاطِ نَفَقَةِ الإِيَابِ إِلَى الوَطَنِ وَجْهَانِ، وَلَوِ احْتَاجَ إِلَى نِكَاح لِخَوْفِ العَنَتِ فَصَرْفُ المَالِ إِلَيْهِ أَهَمُّ، وَفِي صَرْفِ رَأْسٍ مَالِهِ الَّذِي لاَ يَقْدِرُ عَلَى التِّجَارَةِ إِلاَّ بِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015