قال الغزالي: الاعْتِكَاف سُنَّةٌ مؤَكَّدَة لاَ سِيَّمَا في العُشْرِ الأخِير مِنْ رَمَضَانَ لِطَلَبِ لَيْلةِ القَدْرِ، وَهِيَ في أَوْتَارِ العَشْرِ الأخَيرِ، وَمَيْلُ الشَّافِعِيِّ إلَى الحَادِي والعِشْرِينَ، وَقِيلَ: إنَّهَا في جَمِيعِ الشَّهرِ، وَقِيلَ: في جَمِيع السَّنَة، وَلَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ في مُنْتَصَفِ رَمَضَانَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَيلَةَ القَدْرِ لَمْ تُطَلَّق إلاَّ إِذَا مَضَتْ سَنَةٌ لِأَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَقَع بِالشَّكِّ، ويُحْتَمَل أَنْ تَكُونَ في النَصِّفِ الأَوَّلِ.
قال الرافعي: الأصل في الاعتكاف الإجماع، والكتاب، والأخبار.
أما الإجماع فَظَاهِر.
وأما الكتاب، فقوله تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} (?).
وقال الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (?).
وأما الأخبار فسيأتي طرف منها، واَستفتح الكتاب بذكر شيئين:
أحدهما: بيان استحباب الاعتكاف، وموضع تأكده.
والثاني: الكلام في لَيْلَة القَدْرِ.
أما الأول فالاعتكاف من الشرائع القديمة، وهوِ مستحب في جميع الأوقات، روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن اعْتَكَفَ فَوَاقَ نَاقَةٍ، فَكَأنَّمَا أَعْتَقَ نَسَمَة" (?) وهو في العَشْر الأواخر من رمضَان آكد استحباباً؛ اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطَلباً لِلَيْلَةِ القَدْرِ. "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْتَكِف الْعَشْرَ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ تَعَالَى" (?).
واعلم أن استحباب الاعتكاف العشر الأخير مكرر، قد ذكره مرة في "سُنَنِ الصوم". ومن رغب في المحافظة على هذه السِنة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب