والثاني: الندوب، وفي كون صَوْمِ الدَّهْرِ بهذه الصفة كَلاَم أيضاً، فإن صاحب "التهذيب" -رحمه الله- في آخرين أطلقوا القول بِكَوْنِهِ مكروهاً، واحتجوا بما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعبد الله بْنِ عمر -رضي الله عنهما- "وَلاَ صَامَ مَنْ صام الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلاثةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ" (?). وبما روي أَنَّه "نَهَى عَنِ صِيَامِ الدَّهْرِ" (?).

وفصَّل الأكثرون فقالوا: إن كان يخاف منه ضرراً أو يُفَوِّتُ به حقاً فيكره وإلا فَلاَ، وحملوا النَّهْيَ عَلَى الحالة الأولى، أو على ما إذا لم يفطر العيدين وأيام التشريق.

وقوله: شرط الإفطار يوم العيدين وأيام التشريق ليس المراد منه حقيقة الاشتراط، لأن إفطار هذه الأيام يخرج الموجود عن أن يكون صَوْم الدَّهر، وإذا كان كذلك لم يكن شرطاً لاستثنائه، فإن استنان صوم الدهر يستدعي تحققه، وإنما المراد منه أن صوم سوى هذه الأيام مسنون، -والله أعلم-. ولو نذر صوم الدهر لزم، وكانت الأعياد وأيام التشريق مستثناة عنه، وكذلك شَهْر رمضَان، وقضاؤه إذا فرض فواته بعذر أو بغير عذر، وهل تجب الفدية لما أخل به من النذر بسبب القضاء؟ حكى أبو القَاسِم الكَرَخِي فيه جهين، والذي أجاب به صاحب "التهذيب" أنه لا فدية، ولو نذر صوماً آخر بعد هذا النَّذْرِ لم ينعقد، ولو لزمه صَوْم كفارة صام عنها، وفدى عن النَّذر، ولو أفطر يوماً من الدَّهْرِ فَلاَ سَبِيلَ إلى القَضَاءِ، ولا فدية إن كان بعذر وإلاّ فتجب الفدية.

ولو نذرت المرأة صوم الدهر، فللزوج مَنْعها، ولا قضاء ولا فدية، وإن أذن أو مات فلم تصم؛ لزمها الفدية (?)، -والله أعلم-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015