واعلم أن هذا التوجيه يتركَّب على مُقَدِمتين.
إحداهما: أن الإِكْرَاه إنما يُؤَثِّر في دَفْعِ المأثم.
والثانية: أن هذا ليس بمأثم، واقتصر هاهنا على ذكر الثانية، وفي "الوسيط" على ذكر الأولى -والله تعالى أعلم-.
قال الغزالي: فَأمَّا ذِكْرُ الصَّوْم احْتَرَزْنَا بِهِ عَنِ النَّاسِي لِلصَّوْمِ فَإنَّهُ لاَ يُفطِرُ بأكْلٍ وَلاَ جِمَاعٍ (م و)، وَالغَالِطُ الَّذِي يَظُنُّ عَدَمِ طُلُوعِ الفَجْرِ أَوْ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَفْطَرَ وَيَلْزَمُهُ القَضَاءُ في الآخِرِ.
قال الرافعي: ومن القيود المُدْرَجَة في الضَّابِطِ الَّذِي سَبَقَ كَونُ الوصولِ مع ذِكْرِ الصَّوم، فأما إذا أكل ناسياً نظر إن قَلَّ أكله لم يفطر خلافاً لمالك.
لنا: ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ، أَوْ شَرِبَ فَليُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ" (?). وإن كَثُر ففيه وجهان كالوَجْهِيْنِ في بُطْلاَنِ الصَّلاَةِ بِالْكَلاَمِ الكَثِير، وَإِنْ أَكَلَ جَاهِلاً بِكَوْنِهِ مُفْطِراً، وكان قريب العَهْدِ بالإسْلاَمِ، أو نشأ ببادية، وكان يجهل مثل ذلك، لم يبطل صَوْمُهُ، إلا فَيَبْطُلُ، ولو جَامَع نَاسياً للصَّومِ فقد نقل المُزَني أن صَوْمَه لاَ يَبْطُلُ، وللأصْحَابِ فيه طريقان:
أصَحُّهُمَا: القطع بأنه لا يَبْطُلُ، كما نقله اعتبار بالأكل (?).
والثاني: أنه يخرج على قولين كما في جماع المُحْرِمِ نَاسِياً، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا أنكر مَا نَقَلَهُ المُزَنِي، وقال: لا نَصَّ لِلشَّافِعِيّ -رضي الله عنه- فيه.
ولو أكل على ظَنِّ أن الصُّبْحَ لَمْ يطلع بَعْدُ، أو إن الشَّمْسَ قد غَرُبَتْ، وكَانِ غَالِطاً، فقد روى المُزَنِي أنه لا يجوز صَوْمُه، ووافقه الأصْحَابُ على رِوَايَتِهِ في الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وأما في الأولى فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ ما رواه، وقال: لاَ يُوجَدُ ذَلِكَ في كُتُب الشَّافِعِيّ -رضي الله عنه- ومذهبه: أنه لاَ، يَبْطُلُ الصَّوْمُ إِذَا ظَنَّ أن الصُّبْحَ لَمْ يَطْلُعَ بعد؛ لأن الأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وهو معذورٌ في بِنَاء الأَمْرِ عليه، بخلاف مَا في آخر النَّهَار فإن الأَصْلَ بقاء النَّهار، فالغالطِ فيهِ غَيْرُ مَعْذُور.
ومنهم من صحح ما رواه، وقال: لعلهُ نقله سَمَاعاً، ووجهه بأنه تحقق خلاف ما ظنه، واليقين مُقَدَّمٌ عَلَى، الظَّنِّ، ولا يبعد استواء حكم الغَلَطِ في دخول الوَقْتِ وخروجه