وضع سُكَّرَةً فِي فِيه وابتلع الرِّيق بعد مَا ذَابَتْ فيه، وما قدَّمْنَاه فيما إذا كان مغسولاً مستعملاً، أو صلباً لا ينفصل منه شيء. وقوله: (ولو ابتلع دماً خرج من سنه، أو سناً أفطر) ظاهرٌ، وفيه إشارة إلى أن دَاخِل الفم له حكم الظَّاهِر في هذا، وأن احتمال ابتلاع الريق ليس لمجرد ابتلاعه من الفم، بل لدعاء الضرورة إليه.
المسألة الثانية: النخامة (?) إن لم تحصل في حد الظَّاهِرِ (?) من الفم فلا مبالاة بها، وإن حصلت فيه بانصبابها من الدِّمَاغ في الثُّقْبَةِ النَّافِذَةِ منه إِلَى أقْصَى الفَم فوق الحُلْقُوم نظر إن لم يقدر على صرفه ومَجَّهُ حتى نزل إلى الجَوْفِ لم يضره، وإن رَدَّه إلى قَضَاءِ الفَمِ، أو ارتد إليه ثم ابتلعه أفطر (?)، وإن قدر على قطعة من مجراه وَمَجَّه فتركه حتى جرى بنفسه ففيه وجهان حَكَاهُمَا الإِمَام:
أحدهما: أنه لا مُؤَاخَذَةَ؛ لأنه لم يفعل شيئاً، وَإنَّمَا أَمْسَكَ عَنِ الفِعْلِ وأوفقهما لكلام الأئمة إن تركه في مَجْرَاه مَعَ القُدْرَةِ عَلَى مَجِّهِ لتقصيره فيفطر. ونقل عن "الحاوي" وجه مطلق في الإفطار بالنُّخَامة، والوجه تنزيلهما على الحَالَةِ التي حَكَى الإمامُ الخِلاَفَ فِيهَا.
الثالثة: إذا تَمَضْمَضَ فسبق المَاءُ إلى جَوْفِهِ، أو استنشق فَوَصَلَ المَاءُ إِلَى دِمَاغِهِ فقد نَقَلَ المُزَنِيّ أَنَّه يفطر، وقال في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى -رحمهما الله- أنه لا يفطر إلا أن يتعمد الأزدراد، وللأصحاب فيه طريقان:
أصحّهما: أن المسألة على قولين:
أحدهما: وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والمزني -رحمهم الله-: أنه يفطر؛ لأنه وَصَلَ الماء إلى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ، فإنه الذي أدخل الماء فيه وَأَنْفه.
والثاني: وبه قال أحمد وهو اختيار الربيع -رحمهما الله-: أنَّه لا يفطر؛ لأنه وصل بغير اختياره، فأشبه غبار الطَّرِيق. والثاني: القَطْع بأنه لا يفطر، حكاه المسعودي وغيره ثم من القائلين به من حمل منقول المزني على ما إذا تَعَمَّد الازدراد، ومنهم منَ حَمَلهُ على ما إذَا بَالَغ، وحمل النَّصّ الثَّاني على ما إذا لم يبالغ، ونفى الخِلاف في الحالتين، وإذا قَلنا بطريقة القولين فما محلهما؟ فيه ثلاثة طرق.