الثالثة: أوصى لإنسان بعبد ومات المُوصِي بعد مضي وقت الوجوب فالفطرة في تَرِكَتِهِ، وإن مات قَبْلَهُ وَقَبِلَ المُوصَى لَهُ الوصية قَبْلَ الهِلاَلِ فالفطرة عليه، وإن لم يقبل حتى دَخَلَ وقت الوجوب فعلى من الفطرة؟ يبني على أن الموصي له متى يملك الوصية؟ من قلنا: يملكها بموت الموصي، فإن قَبِلَ فعليه الفِطْرَة بِلاَ شَكٍّ، وإن رد ففيه وجهان حكاهما الشَّيْخُ أبُو عَلِيٌ.
أصحهما: الوجوب؛ لأنه كان مَالِكاً لِلْعبْدِ إلى أن رَدَّ.
والثاني: لا؛ لعدم استقرار ملكه؛ وإن قلنا: إنها تُمْلَك بالقبول، فيبنى على أن المِلك قَبْلَ القبول لمن يكون؟ وفيه وجهان:
أصحهما: أنه للورثة، فعلى هذا فَفِي الفِطْرَة وجهان:
أصحهما: أنها عليهم.
والثاني: لا؛ لأنا تبَيَّنَّا بالقبول أن ملكهم لم يستقر عليه.
والوجه الثاني: أنه باقٍ على مِلْكِ المَيِّتِ، فعلى هذا لا تَجِبُ فِطْرَتُهُ على أحد؛ لأن إيجابَها عَلَى المَيِّتِ ابتداء بَعِيدٌ.
وعند مالك، وفي "التهذيب" حكاية وجه آخر أنها تجب في تركته، وإن قلنا: بالتوقف فإن قبل فلعيه الفِطْرة، إلا فعلى الورثة؟ هذا كله إِذَا قَبِلَ المُوصَى لَهُ ولو مات قَبل القَبُول وبعد وقت الوُجوب فقبول وَارِثه يقوم مَقَامَ قَبُولِهِ، والملك يقع له، فحيث أوجبنا عليه الفِطْرة لو قبلها بنفسه فهي في تركته إذا قبل وَارِثهُ، فإن لم يكن له سوى العبد تركة ففي بيع جزء منه للفِطْرة ما سبق، ولو مات بعد وقت الوُجوب أو معه فالصدقة على الورثة إِذَا قَبِلُوا؛ لأن وقت الوجوب كان في مِلْك الوَرَثَةِ -والله أعلم-.
واعلم أن حجة الإسْلام -رحمه الله- وإن أهمل هذه المسألة الثالثة في هذا الموضع إلا أنه أشار إليها إشارة خفيفة في آخر الباب الأولِ مِنْ "كِتَابِ الوَصَايَا" وَفِقْهُهَا على الاختصار ما أَتيتُ بِهِ (?) -والله أعلم-.