أحدهما: أنها تجَب اتباعاً لِلْفِطْرَة النفقة.

والثاني: أن وُجوبَهَا مَبْنِيٌّ على الخِلاَف في أنَّ النفقَةِ لِلْحَملِ أو لِلْحَامِلِ إن قلنا: بالثَّانِي فَيَجِب، وإن قُلْنَا بالأَوَّلِ فَلاَ؛ لأَنَّ فِطْرَة الجنين لا تَجِب، وهذا الطريق الثاني هو الذي أورده الأَكْثَرُون.

وكلامُ صَاحِبِ الْكِتَاب يُشْعِرُ بِتَرْجِيح الأَوَّلِ وبه قال الإمام والشَّيْخُ أَبُو عَلِيّ.

قال الشيخ: لأنها المستحقة، سواء قلنا: النفقة لِلْحَمْلِ أَوْ لِلْحَامِلِ، ولها أن تأخذها وتنفقها على نَفْسِها بِلاَ خِلاَف، وقولنا: إنها للحمل على قول -، نعني به-: أنه سبب الوجوب، وذلك لا يُنَافي كَوْنها المُسْتَحِقة هذا إذا كانت الزوجة حُرَّة، فإن كانت أمة ففطرتها بالاتفاق ناظرة إلى ذَلِك الخِلاَف، فإن قلنا النفقة للحمل فلا نفقة ولا فِطرة؛ لأن الحَمْل لو كان ظَاهِراً لم يكن عليه أن يمون ملك الغير، وإن قلنا: للْحَامِل وَجَبَتَا، وسواء رَجَّحْنَا الطريقة الأولى أو الثانية فالأصح اسْتِحقاق الفطرة؛ لأن الأَصَح أن النفقة لِلْحَامل، وعلى هذا فالمسألة غَيْر مستثناه عن الأَصْل السَّابق أما إذا قلنا: النفقة وَاجِبَةٌ لِلْحَمْل فَلاَ فِطْرَة، فالحمل شخص تجب نفقته، ولا تجب فِطرته فينتظم استثناؤه -والله أعلم-.

قال الغزالي: الخَامِسَةُ لاَ فِطْرَةَ عَلَى المُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ الكَافِرِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ فِي نِصْفِ العَبْدِ المُشْتَرَكِ أَوْ فِي العَبْدِ الَّذِي نِصْفُهُ حَرٌّ، وَلَوْ جَرَتْ مُهَايَأَةٌ فَوَقَعَ الهِلاَلُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا فَفِي اخْتِصَاصِهِ بِالفِطْرَةِ وَجْهَانِ لِأنَّهُ خَرَجَ نَادِراً.

قال الرافعي: في المسألة صورتان:

أحدهما: لا يجب على المُسْلِم فِطْرَةَ عَبْدِهِ الكَافِرِ وبه قال مَالِك وأحمد، خلافاً لأبي حنيفة. لنا: لتقييد في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- حيث قال: "مِنَ المُسْلِمِينَ" وأيضاً فإن الفطرة شرعت تطهيراً والكافر ليس أهلاً للتطهير، وحكم الزَّوْجَةُ الذِّمية، والقريب الكافر حكم العبد الْكَافِرِ، فلا تجب فطرتهم وإن وجبت نفقتهم.

الثانية: تجب فطرة العبد المُشْتَرك على الشَّريكين، وفطرة العبد الذي بَعْضُه حُرٌّ عليه وعلى السَّيد، خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- حيث قال: "لا تجب" ولمالك حيث قال في الصورة الثانية في إحدى الروايتين: "تجب على السيد حِصَّته ولا شيء على العبد" والرواية الثانية مثل مَذْهبنا. لنا: ما سبق أن الفِطْرَة تَتْبع النَّفقة، وَهِيَ مُشْتَركة فَكَذَلِكَ الفطرة ثم الوُجُوب عليهما إذا لم تكن مهايأة بَيْنَ الشَّرِيكَينِ، أَوْ بين المَالِكِ وَالْعَبْدِ، فَهَلْ تَخْتَصُّ الفطرة بمن وقع زمان الوُجوب في نوبته أم هي على الشَّركة؟ يبنى ذلك على أن الفطرة من المؤن النَّادرة أو من المؤن الدَّائرة، وبتقدير أن تكون من النَّادرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015