إذا عرفت ذلك، فلو أنَّ الولَد الكَبِيرَ كَانَ فِي نَفَقَةِ أبيه إِمَّا بِمُجَرَّدِ الإعْسَار إن اكتفينا بِهِ أو مَعَ الزّمَانَة إِنْ لَمْ نَكْتَفِ بهِ فوجد قَدْرَ قُوتِه ليلةَ العِيدِ وَيوْمه سَقطت فِطْرَتُه عَنِ الأَبِ لِسُقوطِ نَفَقَتِهِ، وكونها تَابِعَة لَهُ، ولا تَجِب عَلَيْهِ لِعَجْزِه وإعْسَار.
وإن كَانَ الوَلَدُ صَغِيراً، وَالْمَسْألة بِحَالِهَا فَفِي سقُوطِ الْفِطْرَة وَجْهَان:
قال الصَّيْدَلاَنِيّ: لا تسقط. والفَرق أن نَفَقة الكَبِير لاَ تثبت في الذِّمة بِحَال، وإنَّما هي لكفاية الوقت، ونفقة الصغير قد ثَبتت، ألا ترى أن للأم أن تستقرض عَلى الأب الغَائِب لَنفقة الصَّغِير فكانت نفقته آكد فأشبهت نفقة الأب نفسه وفطرته.
وقال الشَّيخ أبو محمد تسقط كما تسقط النَّفَقة، وتردد فيما ذَكَره من جواز الاستقراض، وقال: الأظهر منعه إلا إذا أَذِن السُّلْطان، ومثله يقرض في حق الكبير أيضاً، وما ذكره الشَّيْخُ أَظْهَرُ عِنْدَ الإِمَام وغيره.
واعلم: أن مسألة الكبير جارية على الأَصْلِ المُمَهَّدِ، وكذلك مسألة الصَّغِير على قول الشَّيْخِ أبِي مُحَمَّدٍ، وإنما الاستثناء على قول الصَّيْدَلاَنِيّ.
قال الغزالي: الثَّالِثَةُ الزَّوْجُ إِنْ كَانَ مُعْسِراً لَمْ تَسْتَقِرَّ فِطْرَتُهَا فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ اسْتَقَرَّتِ النَّفَقَةُ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيهَا فِطْرَةُ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَة نَصَّ عَلَيْهِ وَنَصَّ فِي الأَمَةِ المُزَوَّجَةِ مِنَ المُعْسِرِ أَنَّ الفِطْرَةَ تَجِبُ عَلَى سَيِّدِهَا، فَقِيلَ قَوْلاَنِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ وَقِيلَ: الفَرْقُ أَنَّ سَلْطَنَةُ السَّيِّدِ آكَدُ مِنْ سَلْطَنَةِ الحُرَّةِ، وَلَوْ أَخْرَجَتِ الزَّوْجَةُ فِطْرَةَ نَفْسِهَا مَعَ يَسَارِ الزَّوْجِ دُونَ إِذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى أَحَد الوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الزَّوْجِ أَصْلٌ لاَ مُتَحَمَّلٌ.
قال الرافعي: من أصول البَاب الذي يُحتاج إلى مَعْرِفته فِي هذه المَسْأَلة وغيرها أن الفِطْرة الواجبة على الغير تلاقي الَمؤدي عنه، ثم يتحمل عنه المؤدِّي أمْ تَجِبْ على المُؤَدِّي ابتداء؟ وفيه خلاف يعبر عنه تَارةً بقولين مخرجين من معاني كلام الشَّافعي -رضي الله عنه- وتارةً بوجهين:
أحدهما: أن الوجوب يُلاقي المؤدي عنه، ثم يتحمل عنه المؤدي، لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي سبق: "عَلَى كُلِّ حِرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ".
والثاني: أنها تَجِب على المُؤَدي ابتداء، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِم فِي عَبْدِهِ، وَلاَ فَرَسِهِ، صَدَقَةٌ إِلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْر عَنْهُ" (?) قال القاضي الرُّوَيانِي وغيره: ظاهر المَذْهب هو الأوَّل، ثم الأكثرون منهم الشَّيْخُ أَبُو عَلِي طردوا الخلاف في كل من يؤدي صَدَقة