الإِعْفَاف، وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ الْخِلاَفِ وموضع الإعْفَافِ فِي بَابِه -إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى،- وَهَلْ يَلزَمُهُ فِطْرَتُهَا؟ فيه وجهان:
أصَّحُهُمَا: عِنْدَ المصنف في طَائِفَةَ أنها تلزمه؛ لأنها مِمَّن يمونه الابْنُ وصار كالأَب لَمَّا لَزِمتُهُ نَفَقَتُهُ لَزَمتهُ فِطْرَتُهُ، وعلى هذا فَهَذِه الصورة غَيْرُ مُسْتَثنَاةٍ عَنِ الأَصْلِ المُمَهَّدِ.
والثاني -وهو الأصح عند صاحبي "التهذيب" و"العدة" وغيرهما-: أنها لا تلزم؛ لأن الأَصْلَ فِي القيام بأمْرِهَا هُو الأبُ، والابْنُ مُتَحَمِّلٌ عَنْهُ الفِطْرَةُ غَيْرُ لاَزِمَةٍ عَلَى الأب بِسَبَب الإعْسَارَ، فلا يَتَحَمَّلُهَا الابْنُ، بِخِلاَفِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا لاَزِمَةٌ مَعَ الإعْسَارِ فيتحملها، وأيضاً فَلِأَنَّ فَقْدَ النَّفَقةِ يمكنها من الفُسْخِ، وإذا فسخت احْتَاجَ الابْنُ إِلَى تَزْويجه وَفقْدُ الفطرة بِخَلافه، وَيجْرِي الوَجْهَانِ فِي فطرة مُسْتَولَدَتِهِ.
ولك أن تُعَلِّم قوله: (تلزمه نفقة زوجة أبيه) بالواو إذ قد عرفت أنه مبنى على وُجُوبِ الإِعْفَافِ، وفيه خلاف وبالحاء والزَّاي؛ لأن عندهما لا يجب الإِعْفَاف.
ويجوز إعلام لفظ: (الوجوب) من قوله: (الأصح الوجوب) بالحاء؛ لأن عنده لاَ تجب على الابْنِ فِطرَة الوَالِدِ، فما ظَنُّكَ بِفِطرَةِ زَوجَتِهِ -والله أعلم-.
قال الغزالي: الثَّانِيَةُ الابْنُ الكَبِيرُ الَّذِي هُوَ فِي نَفَقَةِ أَبِيهِ إِذَا وَجَدَ قَدْرَ قُوتهِ لَيْلَةَ العِيدِ فَلاَ فِطْرَةَ عَلَى أَبِيهِ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ وَلاَ عَلَيْهِ لِعِجْزِهِ، وَلَوْ كَانَ صَغِيراً وَالمَسْألة بِحَالِهَا فَفَيهِ خِلاَفٌ (و) فَإِنَّ حَقَّ الصَّغِيرِ آكَدُ.
قال الرافعي: غير الأصول والفروع من الأقارب، كالإخوة والأعمام لا تجب فِطْرتُهم، كما لا تَجِب نفقتهم.
وأما الأصول والفروع، فإن كَانُوا مُوسِرينَ فَلاَ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ، وإن كَانُوا مُعْسرينَ وإلاَّ فَكُلَّ من جمع منهم إلى الإِعْسار الصِّغَر والجنُون أو الزّمانَة، وَجَبَتْ نفقته، ومن تجرد في حَقِّه الإعْسَار ففي نفقته قولان، ومنهم من قَطَع بِالْوُجُوبِ في حق الأُصُولِ.
وحكم الفِطْرة حكم النفقة وفاقاً خلافاً.