على الإطلاق إذ قد يعسر التمييز ويمكن الامتحان بالماء ومعرفة المقدارين فلا يجب ستمائة من هذا وستمائة من ذاك، وعسر التمييز بأن يفقدا الآت السَّبْك، أو يحتاج فيه إلى زمان صالح، فإن الزكاة واجبة على الفور، ولا يجوز تأخيرها مع وجود المُسْتَحِقّينَ، ذكر ذلك في "النهاية"، ولا يبعد أن يجعل السبك أو ما في معناه من شروط الإمكان.

قال الغزالي: وَلَوْ مَلَكَ مَائَةً نَقْداً وَمَائَةً مُؤَجَّلاً عَلَى مَلِيِّ وَلَمْ نُوجِبْ عَلَيْهِ تَعْجِيلَ زَكَاةِ المُؤَجَّلِ وَجَبَ إِخْرَاجُ حِصَّةِ النَّقْدِ عَلَى أَصَحِّ الوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ المَيْسُورَ لاَ يَتَأخَّرُ بِالْمَعْسُورِ.

قال الرافعي: لو ملك مائة درهم نقد في يده ومائة مؤجلة على مَلِيِّء فكيف يُزَكِّي؟ يبني ذلك على أن الدِّيْن المُؤَجَّل هل تَجِب فيه الزَّكَاة أم لا؟ والصحيح الوُجُوب، وعلى هذا فهل يجب الإخراج في الحال أولاً يجب إلا بعد الاستيفاء؟ فيه وجهان والصحيح الثاني، وقد شرحنا الخلاَفين من قبل، فإن قلنا: لا زكاة في الدَّيْنِ المُؤَجَّل فَلاَ شَيْءٍ عَلَيْهِ في المَسْأَلَةِ، وإن إوجبنا إخراج زَكَاته في الحال فهو كما لو كان في يده جميع المائتين، وإن أوجبنا فيه الزّكاة ولم نوجب أخراجها في الحال وهو المراد من قوله في الكتاب: (ولم نوجب عليه تعجيل الزكاة عن المؤجل)، فهل يَلْزَمَه الإِخْرَاجُ عَمَّا في يَدِه بِالْقِسْطِ؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا؛ لأن ما في يَدِهِ نَاقِصٌ عنْ النِّصَابِ، فإذا لم يجب إخْرَاجُ زكاة جميع النِّصَاب لا يجب إخراج شيء.

وأصحهما: نعم؛ لأن الميسور لا يتأخر بالمعسور، وبنوا الوجهين على أن الإمكان شرط الوجوب أو شرط الضمان؟ إن قلنا بالأول: فلا يلزمه إخراج شيء في الحال؛ لأنه رُبَّمَا لا يصل إليه الباقي، وبهذا القول أجاب في "المختصر" في هذا الفرع، وإن قلنا بالثاني: أخرج عن الحاضر بالقسط؛ لأن هلاك الباقي لا يسقط زكاة الحاصل في يده ومتى كان في يده بعض النِّصاب، وما يتم به النصاب مغصوب أو دين على غيره، ولم نوجب فيهما الزكاة، فإنما يَبْتَدِيءُ الحَوْلَ من يوم قبض ما يتم به النِّصَاب.

قال الغزالي: النَّظَرُ الثَّانِي فِي جِنْسِهِ، وَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ نَفَائِسِ الأمْوَالِ إلاَّ فِي النَّقْدَينِ، وَهُوَ مَنُوطٌ بجَوْهَرِهِمَا عَلَى أَحَدِ القَوْلَيْنِ، وَفِي الثَّانِي مَنُوطٌ بِالاسْتِغْنَاءِ عَنْ الانْتِفَاعِ بِهِمَا حَتَّى لَوْ اتَّخِذَ مِنْهُ حُلِيٌّ عَلَى قَصْدِ اسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى قَصْدِ اسْتِعمَالٍ مَحْظُورٍ كَمَا لَوْ قَصَدَ الرَّجُلُ بِالسِّوَارِ أَوِ الخُلْخَالِ أَنْ يَلْبَسَهُ أَوْ قَصَدَتِ المَرْأَةُ ذَلِكَ فِي الْمِنطَقَةِ وَالسَّيْفِ لَمْ تَسْقُطِ الزَّكَاةُ، لِأَنَّ المَحْظُورَ شَرْعاً كَالمَعْدُومِ حِسًّا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015