قال الرافعي: الأصل في قدر الواجب في هذا النوع ما روى ابن عمر -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوِ الْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيّاً الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْح نِصْفُ الْعُشْرِ" (?). ويروى "وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ غَرْبٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ" (?). قالَ في "الصِّحاح": العَثَرِيّ بالتحريك: الزرع الذي لا يسقيه إلا ماء المطر.
وقال الأزهري: وسقيه بالنّضْح أن يستقي له من ماء النهر أو البِئْر بسانية وغيرها، وتسمى السَّوَاني نواضح الواحدة: سَانيَة والغَرْب الدَّلْو الكبيرة.
إذا عرف ذلك فيجب فيما سقي بماء السماء من الثمار والزروع العشر، وكذا البَعل وهو الذي يشرب بعروقه لقربه من الماء، وكذا ما يشرب من ماءٍ ينصب إليه من جبل أو نهر أو عين كبيرة كل ذلك فيه العشر، وما سقى بالنّضح أو بالدِّلاَء أو بالدَّوَالِيب ففيه نصف العشر وكذا ما سقى بالدَّالية.
قال في "الصحاح": وهو المَنْجَنُون تديرها البقرة، وما سقي بالنَّاعُور وهو الذي يديره الماء بنسه؛ لأنه تسبب إلى النَّزْح كالاسْتِقَاء بالدلاء والنَّواضِح، والمعنى الكلي الذي يقتضي التَّفَاوت أنَّ أمر الزكاة مبني على الرفق بالمالك والمساكين، فإذا كثرت المؤنة خف الواجب أو سقط كما في المعلوفة، وإذا خفت المؤنة كثر الواجب كما في الرِّكَاز، وأما القَنَوات وفي معناها السَّواقي المَحْفُورة من النهر العظيم إلي حيث يسوق الماء إليه، فالذي ذكره في الكتاب أن السقي منها كالسَّقي بماء السماء، وهذا هو الَّذي أورده طوائف الأصحاب من العراقيين وغيرهم، وعَلَّلوا بأن مؤنة القَنَوات إنما تتحمل لإصلاح الضَّيْعَة، والأنهار تشق لإحياء الأرض فإذا تهيأت وصل الماء إلى الزرع بطبعه مرة بعد أخرى بخلاف السَّقي بالنَّوَاضح ونحوها، فإن المُؤْنَة ثم تتحمل لنفس الزرع.
وادعى إمام الحرمين اتفاق الأئمة على هذا، لكن أبا عاصم العبادِيَّ ذكر في "الطَّبَقات" أن أبا سهل الصُّعْلُوكي أفتى بأن الَمسْقِيّ من ماء القَنَاة فيه نصف العشر، لكثرة المُؤْنة، وفصّل صاحب "التهذيب" (?) فقال: إن كانت القناة أو العَيْن كثيرة المؤنة بأن كانت لا تزال تنهار وتحتاج إلى اسْتِحْداث حفر فالمسقى بها كالمسقى بالسَّواقي، وإن لم يكن لها مؤنة أكثر من مؤنة الحفر الأول وكَسحها، في بعض الأوقات، ففي السقي بها العشر والمشهور الأول.