اختلف المُفَسِّرون لكلامه في المراد بهذه الصورة على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المراد يها ما إذا تَسَنْبَلَت الذُّرة واشتدت فانتثر بعض حَبَّاتها بنفسها أو بنقل العَصَافير أو بهبوب الرياح، فسقى الأرض فنبتت تلك الحبات المنثورة في تلك السّنة مرة أخرى وأدركت ومنهم من قال: المراد بهذا ما إذا نبتت فالتفت وعلا بعض طاقاتها فغطى البعض، وبقي ذلك المغطّى مخضرّاً تحت ما علا فإذا حصد العالي أثرت الشَّمس في المُخْضر فأدرك.
ومنهم من قال: المراد بها الذُّرَة الهِنْدِيّة تحصد سنَابِلُهَا ويبقى سَاقُهَا فيخرج سنابل أخرى، ويحكى هذا الوجه الثاني عن ابن سريج، ثم اختلفوا في الصور الثَّلاَث بحسب اختلافهم في المراد من النَّص، واتفاق الجمهور على أن ما ذكره قطع بالضم وليس جواباً على بعض الأقوال التي سبقت، فذكروا في الصورة الأولى طريقين:
أحدعما: أنها على الأقوال في الزَّرعَين المختلفي الوقت فإنه زرع مفتتح بعد زرع.
والثاني: القطع بالضَّم لأنه تابع للأول غير حاصل بالقصد والاخْتيار، وإيراد الكتاب يشعر بترجيح الأول، وهو قضية ما في "التهذيب"، وذكروا في الصُّورة الثَّانِية طريقين أيضاً:
أحداهما: القطع بالضَّم؛ لأنها حصلت دفعة واحدة وإنَّمَا تفاوت الإدراك.
والثاني ويحكى عن أبي إسحاق: أنها مخرجة على الأقوال، وذكروا في الثالثة ثلاثة طرق:
أحدها: أنها على الخلاف فيما لو حصد زرع ثم زرع آخر.
والثاني: لا يضم قولاً واحداً كالنَّخْلة تحمل في السَّنة حملين.
والثالث: يضم قولاً واحداً بخلاف الزَّرْع بعد الزَّرع، فإن أحدهما مفصول عن الآخر وهاهنا الزرع واحد وإنما تفرق رِيعُه، وبخلاف حملي النَّخْلة فإنها شجرة لها ثمر بعد ثمر فحملاها في سنة كحملها في سنتين، والذُّرَة زرع لا يبقى فالخارج من ساقها ملحق بالأول كزرع تعجّل إدراك بعضه وتأخّر إدراك بعضه، وهذا أصح عند صاحب "التهذيب" والله أعلم.
قال الغزالي: الطَّرَفُ الثَّاني، فِي الوَاجِبِ، وَهوَ العُشْرُ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاء، وَنِصْفُ العُشْرِ فِيمَا يُسْقَى بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ، وَالقَنَوَاتُ كَالسَّمَاءِ، وَالنَّاعُورُ الَّذِي يُديرُ المَاءَ بِنَفْسِهِ كَالدَّوَالِيبِ.