قال الرافعي: الدين هل يمنع الزكاة؟ اختلف فيه قول الشافعي -رضي الله عنه-.
قال في أكثر الكتب الجديدة: لا يمنع، وهو المذهب لإطلاق النصوص الواردة في باب الزَّكاة، وأيضاً فإنه مالك للنِّصاب وتصرفه نافذ فيه وأيضاً فإن الزكاة إما أن تتعلّق بالذِّمة أو بعين المال، إن كان الأول فالذِّمَّة لا تضيق عن ثبوت الحُقُوق، وإن كان الثَّاني فالدَّين المتعلق بالذمة لا يمنع الحق المتعلق بالعين، ألا ترى أن العبد المديون (?) لو جنى تعلق أرش الجناية برقبته.
وقال في القديم: وفي اختلاف العراقيين من الجديد: إنه يمنع؛ لأن الزَّكَاة حَقٌّ يجب في الذِّمة بوجود مال فصنع الدين وجوبه كالحج وأيضاً فلما سيأتي في التفريع، ومن الأصحاب من حكى قولاً ثالثاً وهو أن الدين يمنع الزَّكَاة في الأموال الباطنة، وهي الذَّهَب والفضَّة وعروض التِّجَارة، ولا يمنعها في الأموال الظَّاهرة وهي المواشي والزُّروع والثِّمَار والمعادن، والفرق أن الأموال الظَّاهرة تنمو بنفسها أو هي نماء في نفسها والأموال الباطنة ليست كذلك، وإنما ألحقت بالنَّاميات للاستغناء عنها واستعدادها للاسترباح بالتَّصَرُّف والإخراج، والدين يمنع من ذلك ويحوج إلى صرفها إلى قضائه، وبهذا القول الثالث قال مالك -رضي الله عنه-، وبالقول الثاني قال أبو حنيفة -رضي الله عنه- إلا أنه يمنع العشر عنده، وعندنا لا فرق، وعند أحمد -رحمه الله- يمنع الزكاة في الأموال الباطنة، وفي الظاهرة روايتان. التفريع إن قلنا: الدَّيْن لا يمنع [وجوب] (?) فلو أحاطت بالرّجل ديون، وحجر عليه القاضي فله ثلاث أحوال:
إحداها: أن يحجر ويفرّق ماله بين الغرماء، فهاهنا قد زال ملكه ولا زكاة عليه.
والثّانية: أن يعين لكلّ واحد منهم شيئاً من ماله على ما يقتضيه التَّقسيط، ومكنهم من أخذه، فحال الحَوْل، ولم يأخذوه. قال معظم الأصحاب: لا زكاة عليه أيضاً؛ لأنه ضعف ملكه وصاروا هم أحق به، ولم يحكوا فيه خلافاً، وحكى الشيخ أبو محمد في هذه الصورة عن بعض الأصحاب: أن وجوب الزكاة يخرج على الخلاف في المَجْحُود والمغصوب؛ لأنه حيل بينه وبين ماله. وعن القفال: أنه يخرج على الخلاف في اللُّقطة