قال الرافعي: في الفصل ثلاث مسائل:

إحداهها: التَّعزية سُنة، روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن عَزَّى مُصَاباً فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ" (?).

وينبغي أن يُعَزَّى جميع أهل الميت الكَبير والصغير والرجل والمرأة، نعم الشَّابة لا يُعَزِّيها إلا محارمها، ويكره الجُلُوس لها، ولا فرق فيها بين ما قبل الصَّلاة وبعدها وما قبل الدفن وبعده، فيما يرجع إلى أصل الشريعة، لكن تأخيرها إلى ما بعد الدَّفن حسن لاشتغال أهل الميت قبله بتجهيزه، ولاشتداد حُزْنهم حينئذ بسبب المفارقة. وعن أبي حنيفة: أن التَّعزية قبل الدفن، فأما بعده فلا، إلى متى تشرع التَّعزية؟ فيه وجهان:

أظهرهما: -وهو المَذْكُور في الكتاب- إلى ثلاثة أيام فلا يعزيه بعد ذلك إلا أن يكون المعَزّي أو المعزى غائباً، وهذا لأن الغرض من التَّعزية تَسْكِينُ قلب المصاب، والغالب سُكُون قَلْبِهِ في هذه المّدة فلا يجدد عليه الحُزن.

قال الشيخ أبو محمد فيما علق عنه: وهذه المدة على التَّقْرِيب دون التَّحْديد.

والثاني: حكاه في "النهاية" مع الأول أنه لا أمد تقطع عندها التَّعزية، فإن الغَرض الأعظم منها الدّعاء. ومعنى التَّعزية الأمر بالصبر، والحمل عليه بوعد الأجر والتَّحْذير عن الوزر بالجزع، والدعاء للميت بالمغفرة، والمُصَاب يجبر المصيبة، فيقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، وغفر لميتك، وفي تَعْزية المُسْلم بالكافر: أعظم الله أجرك، وأخلف عليك أو جَبَرَ الله مصيبتك، وألهمك الصَّبر وما أشبه ذلك. وفي تعزية الكافر بالمسلم: غفر الله لميّتك وأحسن عزاك. ويجوز للمسلم أن يعزي الذّمي بقريبة الذّمي، فيقول: أخلف الله عليك، ولا نقص في عددك وهذا لتكثر الجزية لِلْمُسْلِمِينَ.

الثَّانية: يستحبُّ لجيران المَيِّت والأبعدين من قرابته تهيئة طعام لِأَهْلِ المَيِّت، يشبعهم في يَوْمِهِمْ وليلتهم، فإنَّهم لا يفرغون له، ولو اشْتَغَلُوا به لعيروا. روي "أنَّهُ لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- اجْعَلُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً، فَقَدْ جَاءَهُمْ أَمْرٌ يُشْغِلُهُمْ" (?). ويستحب إلحاحهم على الأكل ولو اجتمع نساء يَنُحن لم يجز لهنَّ طعام، فإنه إعانة على المعصية.

الثالثة: البكاء على الميِّت جائز قبل زُهُوق الرُّوح وبعده وقبل الزُّهُوق أَوْلَى رُوِيَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015