إخراجه كان له ذلك، قال في "النهاية": وأشار الأئمة إلى أنه يخرج وإن تغير وكان في إِخْرَاجه هتك حرمته؛ لأن حرمة الحَيِّ أَوْلَى بالمُرَاعَاة، وَبجُوزُ أن يظن ظَانّ تركه فإنه سيبلى عن قريب، وقد تنزل حرمة الميت منزلة الحي فيما هذا سبيله. ومنها: لو كفن في ثوب مغصوب أو مسروق ودفن فهل ينبش؟ أورد فيه ثلاثة أوجه:
أظهرها: وهو المذكور في الكتاب نعم، كما ينبش لرد الأرض المَغْصوبة.
والثاني: -وهو الذي ذكره صاحب "الشَّامل"- لا يجوز نبشه؛ لأنه مشرف على الهلاك بالتَّكفين بخلاف الأرض فيعطى حق الهالك، وينقل حكم المالك إلى القيمة، ولأن هتك الحُرْمَة في نزع الكَفَنِ أكثر. والثَّالث: أن تغير الميت وكان في النَّبش ورد الثّوب هتكه لم ينبش، وإلاَّ نبش ورد. ومنها: لو دفن في ثوب حرير هل ينبش؟ فيه هذا الخلاف. ولو دفن من غير كَفَنٍ فهل ينبش ليكفن؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم، كما لو دفن من غير غسل، فإن كل واحد منهما واجب.
وأظهرهما: لا؛ فإن المقصود من التَّكفين ستره واحترامه، وقد ستره التّراب فالاكتفاء به أولى من هتك حرمته بالنبش. ومنها: لو وقع في القَبْر خاتم أو متاع آخر ينبش ويرد. ولو ابتلع في حياته مالاً ثم مات، وطلب صاحبه الرد شقّ جوفه ورد. قال في "العدة": إلا أن يضمن الوَرَثَةُ مثله أو قيمته فلا يخرج ولا يُرَدُّ في أَصَحِّ الوجهين. وفيه وجه آخر وهو اخْتِيَار القَاضِي أبي الطَّيب: أنه لا يخرج أصلاً، ويجب الغرم من تركته على الورثة. ولو ابتلع شيئاً من مال نفسه، ومات فهل يخرج؟ فيه وجهان؛ لأنه كالمُسْتهلك لمال نفسه بالابتلاع. قال أبو العباس الجرجاني في "الشافي": والأصح الإخراج أيضاً. إذا عرفت ذلك فحيث يشقّ جوفه ويخرج فلو دفن قبل الشَّقِّ ينبش لذلك أيضاً. وإذ، تأملت ما ذكرناه عرفت أن قوله: "لا ينبش القبر إلا إذا انمحق ... " إلى آخره، وإن كان ظاهره يقتضي حصر الاسْتِثْنَاء في الصُّورَةِ المذكورة لكنه ليس كذلك.
فرع: لو مات إِنْسَان في السَّفينة فإن كان أهلها بقرب السَّاحل، أو بقرب جزيرة انتظروا به ليدفنوه في البر وإلا شدوه بين لوحين لئلا ينتفخ وألقوه في البحر، ليلقيه البحر بالسّاحل فلعله يقع إلى قوم يدفنونه، فإن كان أهل الساحل كفاراً ثقل بشيء ليرسب (?).