كلمة (من حسن التشبيه) دالّة على أن هذا التصوير قد أفاض عليه فوق ما جاءك من البيان العاري عن التشبيه. ثُم يلفتك إلى أنَّ روافد الإحسان إليك من الصورة التشبيهية في الآية قد تكاثرت فقال «فكيف إذا تضمَّن مع ذلك حسن النظم وعذوبة اللفظ وكثرة الفائدة وصحة الدلالة»

هذا الاستفهام التعظيمي يرسُم في قلبك شيئًا من فخامة العطاء وعظمته حين تتضام الروافد وتتلاقى: حسن النظم، عذوبة اللفظ، كثرة الفائدة، صحة الدلالة.

أربعة روافد اجتمعت إلى حسن التشبيه، فقوله (حسن النظم) دلَّك على أنَّ حسن التشبيه هنا ليس قائمًا من حسن النظم وحده وإن كانا متمازجين: حسن التشبيه آتيك من منهاج الإخراج: إخراج ما تقع عليه الحاسة إلى ماتقع عليه.

وحسن النظم آتيك من منهاج التعالق والتآلف والتآخي.

وعذوبة اللفظ تبين لك مبلغ ما يقوم في فمك وأذنك من الترتيل فينساب العطاء إلى قلبك، كأنّي به ينظر إلى ما يحمل عطاء الحسنين إلى قلبك: إنها عذوبة اللفظ فتناغي الألفاظ في إيقاعاتها وجرسها يفجر نهر العذوبة في فمّ التَّالى وأذن المستمع، فلا يملّ التالى من ترتيله، ولا السامع من إصغائه، وذلك هو شرف التواصل والاجتماع والتعاون على البر ّ والتقوى (?) وهذا وجه من وجوه المعنى في قوله (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... ) (الحجرات:10) فشأن الأخوة التلاقى على البِرّ لا التدابر والتخاصم لعرض من الدنيا،وخير التلاقي ما كان على تلاوة القرآن واستماعه.

ويأتيك قوله (كثرة الفائدة) مؤسسًا على قوله: «حسن التشبيه وحسن النظم وعذوبة اللفظ»

والكثرة تقال لما نما وزاد مما شأنه النماء، أمَّا إن بقي على حاله وجمد فلا يقال له كثير، وإن تعدد، فلم يحصَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015