من صديق له، ويرى نفسه إزاءها مضطراً إلى اصطناع بعض ما يستسيغه في الرد، وماذا يقول شاعر أرسل له صديقه قصيدة يطلب فيها أن يعيره كتاباً؟ ماذا يقول في رده سوى أن يحشد ألفاظاً فارغة لا معنى لها، ومع ذلك فإن هذه الرسائل التي كانت تدور بين الشعراء تتناسب في الواقع مع الشعراء أنفسهم ومع موضوعاتهم فهي عامرة بالرقة في شعر ابن أبي البشر كما هو الشأن في شعره عامة، وهي كذلك في شعر أخيه عبد العزيز الذي يقول لبعض إخوانه:
كتبت أشكو إليكم ما وجدت بكم ... من الغرام ومثلي من شكا فبكا
والله والله ثم الله ثالثة ... ما قصر البين في قتلي ولا تركا
كأن بين ضلوعي حين يذكركم ... قلبي جناح قطاة علقت شركا وهي في أشعار الفقهاء مثال الجمود والقصور في التعبير حتى حين يكون الموضوع عتاباً، وهي عند ابن حمديس تستمد قوتها من الموضوع، وعلى يديه بلغت هذه الرسائل أعلى درجات الأصالة والقوة، وفي رسالتين (?) أرسلهما لابن عمته أبي الحسن بن أبي الدار الصقلي، بلغ ابن حمديس من إجادة التعبير عما في نفسه حداً بعيداً وذلك من قوة الموضوع لأنه يتحدث عن غربته ويتعذر عن عدم تمكنه من القدوم على أهله ولأنه أيضاً يخاطب فيهما أبا الحسن وهو من الأقارب الأصدقاء الذين كان لهم تأثير في حياته.
وبهذه الخصائص الثلاث عبر الشاعر الصقلي عن واقع صقلية الجغرافي كما عبر بوصف المتنزهات والقصور ومجالس الخمور عن حياتها الداخلية. وهذه هي المظاهر البارزة التي تواجه الدارس للشعر الصقلي أول ما توجه، ضعيفة كانت أو قوية.
ولابد من أن نلمح في هذا الشعر أيضاً شعوراً بالمغربية تشير إلى نوع من الاستقلال الجزئي في الروح عن المشرق وما يتعلق به، فإن صقلية كانت تشعر