يجعل الأصل الثاني من العلم بعد معرفة الله، معرفة دين الله من جهة الاتباع لكتابة ولسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، الائتساء به في أمره ونهيه وترغبيه وترهبيه وآدابه وأخلاقه، محبة بالقلب، وعملا بالجوارح (?) ونجده أيضاً يقول: " عليكم بالاتباع لما كان عليه الصدر الأول تسلموا من الحديث في الدين (?) ويقول أيضاً (كان أخص الناس بفهم على الكتاب وشرح معرفة السنة وعمل الرسول عليه السلام أهل القرن الأول؟ ثم جاء القرن الثاني فكانوا اعقل الناس وأعلمهم بعد الصحابة.. ثم جاء القرن الثالث فذهب أكثر أهل العلم وكثر الخوض والجدل والخصومة والتراد.. الخ ".
ومن يسمع هذه الأقوال مجردة من الكتاب يستقر في نفسه أن الصقلي فقيه، وربما زاده اقتناعاً بهذا الرأي إذا سمع الصقلي ينص على أن الأصل الرابع من أصول العلم معرفة الدنيا وأهل الزمان، مما لابد من مباشرة مالا غناء به عنه، وما يلتزمه من الحقوق المفروضة (?) . فأين هذا القول من الحث على العزلة والهرب من الدنيا. إن هذه الاتجاهات الدنيوية تقرب الصقلي من الفقهاء، ولكنك ما تكاد تراه في هذه الحال حتى تجده يرتفع عن الأرض وعن عالم الفقه في مثل قوله " كل وجود يظهر على الجوارح من جهة المقامات فصاحبه ضعيف معلول في الحال، وكل وجود لا يعرف المتواجد ورده من حاله الوارد عليه بتفضيل وجوده من إيجاده، فصاحبه جاهل مفتون. وهذا موضع تدليس العدو على النفس بالمغاليط، فبينما صاحبه مع الحق في ورود الحال إذ صار العدو في المداومة مع ذهاب الحال " (?) .
وتستطيع أن تجمع من عدة مواضع في الكتاب صفات تتكون مها صورة للمريد المخلص، فالمريد في رأيه لا يفلح حتى يترك ثلاثة أخلاق ويلزم ثلاثاً