أبو الحسن الصقلي الحريري الذي قضى عمره صامتاً لا ينطبق إلا بذكر الله تعالى أو بما يعنيه، فإذا أقيمت الصلاة تأوه واجبر نفسه وتواجد وقال: " واذهاب عمري في خسارة " (?) .
وحين حاول الصقليون أن يفلسفوا الزهد أقاموا التصوف على الحياة الواقعية وعلى السلامة الفقهية المذهبية، وعلى اللباذ بعالم الأساطير والكرامات وبذلك اجتمع في التصوف في نشأته لمؤثرين قويين أضعفهما الاتصال بالمشرق عن طريق الحج إلى مكة ومشاهدة الصقليين للعباد المنقطعين حول البيت. أما المؤثر فهو الحياة الاجتماعية نفسها لأنا نحس أنه لازم نشأة التصوف الشعور بتغير الأحوال وسيرها من سيئ إلى أسوأ، والاستدلال بفساد الظاهر على فساد الباطن، وعدم اقتران العلم بالعمل، وطلب بعض الناس للدنيا بطريق الزهادة والنسك، فكان التصوف في واقعة ثورة نفسية على سوء الحال، ومحاولة لإصلاح الباطن في الفرد، من أجل أن تصلح الجماعة.
وكان في التصوف المشرقي رد على سطحية الفقهاء، أما في صقلية فإنه اقترن بالفقه ولم ينفصل عنه فكان المتصوفة فقهاء بنوا آراءهم في التصرف على أصول فقهية، واشتهوا الوعاظ لتعلقهم بالقصص والأساطير، وجعلوا حديث الكرامات مادة مجالسهم. وكان الخضر وشعيب أهم شخصيتين في تلك الأحاديث.
وربما كان عبد الرحيم الصقلي من أوائل من ألفوا في التصوف على هذه الطريقة إذ ذهب إلى القول بخرق العادات، فتصدى له الفقهية أبو محمد بن أبي زيد ونقض كتابه بتأليفه " الكشف وكتاب الاستظهار ورد كثير مما تقلده من خرق العادات على ما في كتاب شنعة المتصوفة " (?) . وقد يبدو من هذا الخبر أن الفقه أخذ منذ البدء بمناهضة التصوف ولكن الأمر ليس كذلك فإن