حفظ الشعر، فقد عرف الجاهليون الكتابة. ولا أشير هنا إلى النقوش التي اكتشفت في شبه الجزيرة العربية والتي كتبت بخط مغاير للخط العربي الذي استمرت الكتابة به بعد ظهور الإسلام، وهي نقوش موغلة في القدم بعض الشيء. وإنما أشير إلى النقوش التي كتبت بهذا الخط الأخير الذي أخذ يتدرج في شكله ابتداء من القرن الثالث الميلادي حيث نجد بعض كلمات هذه النقوش مماثلة للخط العربي المعروف في العصر الإسلامي، ومرورا بالقرن الرابع حيث تزيد نسبة هذه الكلمات بشكل غالب، إلى القرن السادس حيث يطغى استعمال هذا الخط على النقوش لكي يظهر بعد ذلك وحده في النقوش التي ترجع إلى عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم34.
وقد يوجد من يقول: إن النقوش وحدها لا تنهض دليلًا على انتشار الكتابة فيما قبل الإسلام على نطاق واسع أو حتى على نطاق محسوس، فالنقوش التي عثر عليها تشير كلها تقريبا إلى ملوك "قد لا تعني كلمة ملك هنا أكثر من رئيس قبيلة" وقد نفذت لتخليد مناسبات مهمة، ومن ثم فهي لا تشير إلى ممارسة يومية على المستوى الشعبي, وفي الواقع فقد أشار القرآن الكريم إلى العرب إشارة مباشرة على أنهم أميون {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . وقد شاع معنى الأمية منذ العصر الإسلامي على أنه عدم الإلمام بالقراءة والكتابة ومن ثم أصبح التصاق هذا الوصف بعرب الجاهلية أمرا واردًا35. ومع ذلك فالأمية التي تذكرها الآية الكريمة لا تعني الجهل بالقراءة والكتابة