ويدخل في هذا الباب تذكر الأسباب عند ذكر مسبباتها، أو تذكر المسببات عند ذكر أسبابها؛ كتذكر النار عند ذكر الحرارة أو الدخان، وتذكر الأجنحة عند ذكر الطيران، وتذكر الأمة وسعادتها عندما يطرق سمعك كلمة الاستقلال، ولهذا عد علماء البلاغة من علاقات المجاز السببية والمسببية.
وتسلسل الأفكار يتكون من هذه الروابط؛ ذلك أنك تنتقل من صورة أمر إلى صورة آخر، ومن هذه الصورة إلى غيرها، وهكذا يذهب بك التخيل من الأمر إلى ما يناسبه، حتى تضع سلسلة حلقاتها تلك الصورة المماثلة، أو المتضادة، أو المحسوسة في زمان أو مكان واحد.
فالفكر يتسلسل بحسب المناسبة بين الصورة وما يقع الانتقال منها إليها، وقد يتحد الشخصان في بعض حلقات التفكير؛ لتوافقهما في أسباب ارتباط هذه الحلقات، ثم يفترقان في غيرها من الحلقات، فتضع مخيلة كل منهما سلسلة غير السلسلة التي تضعها مخيلة الآخر.
وتسلسل الأفكار يكون على قدر ما تحتويه الحافظة من صور الأشياء، فأفكار البدو لا يطول تسلسلها؛ لعدم كثرة ما تحتويه حافظته من الصور، بخلاف الناشئ أو المتردد على مدينة امتلأت بمظاهر العمران والزينة؛ فإنه يطول تسلسل أفكاره، وتجد مخيلته صارت بعيدة المدى؛ فالناس يتفاضلون في التخيل على قدر تفاوتهم فيما وقع إلى قواهم الحافظة من الصور، ويتفاضلون في التخيل -أيضاً- من جهة قوة الانتباه لما بين الأشياء من المناسبات.
وقد يكون بين الشيئين ما يقتضي اقترانهما في الذهن، ولكن النفس قد تُحسُّ أحدَهما ويشغلها عن الانتقال إلى الأمر الآخر ما في ذلك الأمر الذي أحسَّتْه من معنى يجلب اهتماماً شديداً، وتأثراً بالغاً.
ثم إنّ المخيلة قد تنتقل من صورة إلى أخرى من غير قصد إلى غرض، ومن غير أنْ تكون تحت رعاية العقل؛ فتسمى مخيلة آلية، وقد يكون انتقالها