ولا بُدّ بهذا الصدد من التذكير بـ (ضرورة إثبات صحة الواقعة التاريخية إثباتاً يقينيّاً جازماً) ، «وذلك يعني: اتفاق المؤرخين الثقات على الواقعة التاريخية» (?) ، ولو توافقت الواقعات، أو تشابهت، فلا بُدّ من التروِّي وعدم التسرع في الإسقاط، حتى يتبرهن عنده شدة الانطباق، ويزول الشك، ولقد سبق القول مني: إنّ الإسقاط اجتهاد، وقد تختلف وجهات الأنظار، وهذا ما نجده في كتب الشروح.
ومما ينبغي التركيز عليه هنا: إنّ إسقاط النصوص على وقائع متخيَّلةٍ، غير واقعة بعد، لا يمتّ بصلة إلى منهج علمي مطرد، وإنما هي أشياء تنقدح في أذهان البشر، وتجري على أفهامهم، والخطأ فيها أكثر من الصواب.
وأزيد الأمر وضوحاً؛ فأقول:
في النفس قوة تحفظ الأشياء بعد غيبتها، أو قبل وقوعها، وتجدد إحساس الإنسان للصور المودعة في هذه القوة، تسمى تصوراً أو تخيّلاً.
وللتخيل أسباب، وأكثر هذه الأسباب عملاً في النفوس: المماثلة (أنْ يكون بين الشيئين تشابه في بعض الوجوه المحسوسة أو المعقولة) ، ويليه التضاد (أنْ يتنافى الشيئان بحيث لا يجتمعان في محل) ، ثم (الوحدة المكانية، والوحدة الزمانية) .
والوحدة الزمانية: أنْ تحس الشيئين في زمن واحد؛ فإذا وقع بصر الإنسان على شيئين في وقت واحد، ثم رأى أحدهما بَعدُ؛ تذكَّرَ الآخرَ، بل إذا حدّثَ عن شخصين في وقت واحد حتى ارتسم لكل منهما صورةٌ في قوته الحافظة، ثم رأى أحدهما، أو جرى ذكرُه في المجلس، حضر في ذهنه صورة الشخص الآخر.