وأقول: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يقل تلك الأحاديث عبثاً، ولم يُلحَّ في الحديث عن الفتن لتُسَوَّد بها صفحاتٌ من كتب الحديث، أو لتفرد في مؤلفات تُقرَأ للبركة، وتبين صدق نبوته -عليه الصلاة والسلام-فحسب-!
وإنما قالها ليفقهها عنه المسلمون المعنيّون بها في كل عصر من العصور؛ أنَّها جزء من الرسالة التي حمَّلَها وأشهد عليها بقوله: «ألا هل بلغت؟» ، والمطلوب من المسلمين فهمها كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أنْ تُفهم، والعمل بالوصايا التي ضمّنها إيّاها.
إنّ كثيراً مِنَ الأحاديث إنّما هي أشبه بالرؤيا، ولا يفقه الرؤيا على حقيقتها إلا مَن آتاه الله علمَ تأويل الأحاديث، وهذا الصنف هو المرشح لدراسة هذه الأحاديث وفقه ما فيها، وبثّ هذا الفقه بين المسلمين لتؤتي ثمارها الطيبة بينهم، ويعرفوا مواطئ أقدامها، فيعرف المسلم متى يعتزل الناس، ويتبع بغنمه شعف الجبال ومواقع القطر؛ يفرّ بدينه من الفتن.
وعلينا أنْ نذكر أنه إذا كان بعض المسلمين ينعمون بدينهم، ولا يحول بينهم وبينه حائل، فكم من المسلمين في الأرض رفعت بينهم وبينه السدود، وحالت بينهم وبينه القيود، فأين فقه أحاديث الفتن الذي يستنيرون به؟
إنّ البحث في فقه أحاديث الفتن وأشراط الساعة لا يخص الفرد المسلم وحده، بل يمتد إلى الجماعات العاملة للإسلام؛ لتنظر في ضوئه في غاياتها ووسائلها، وأي عمل إسلاميّ لا يستنير بفقه أحاديث الفتن يظلّ -في رأيي- غائمَ الوجهة والأساليب، بل إنّ فقهَ أحاديث الفتن ضروريٌّ للدولة التي تلتزم بالإسلام، وقد مرّ بنا من قريبٍ الحديثُ الذي بين أنّ المسلمين في آخر الزمان يتحالفون مع الروم في قتال عدو مشترك، وإنّ مَن يفقه أحاديث الفتن يستطيع مِن خلال إدراكه لروح العصر أنْ يمتلك وعياً سياسيّاً يتنبأ به بما يخالف الرأي السائد.